شبكة قدس الإخبارية

كيف كان ملمس الدبابة؟

حسن كمال

في اليوم الأخير في شهر رمضان 2002 كانت طائرة الأباتشي تطلق صاروخًا باتجاه أحد حراس مواد البناء في مجمع الدوائر الحكومية في غزة، كان الهدف وقتها الشاب الفقير والذي استعار جاكيته الأسود من والده لشدة عوزه هو مصطفى الصباح، وكان مصطفى مفجر أول دبابة ميركافاة خلال الانتفاضة، يومها ختمت حياة مصطفى بسجلٍ فيه أشلاء أول ثلاثة دبابات ميركافاة فجرت خلال الانتفاضة، كان هذا الشاب الطيب والوقور أول من سيهين دبابة الميركافاة المرعبة خلال انتفاضة الأقصى.

دبابة الميركافاة –ومعناها التوراتي دبابة الآلهة العبرية- كانت أهم انجازات التصنيع الحربي الإسرائيلي، وقد أشرف على وضع التصور الأولي لها الجنرال الإسرائيلي اسرائيل طال، وقد تم في 1970 اقرار المشروع الفعلي لتصنيع أول دبابة اسرائيلية، ولتصنع أول نسخة من الميركافاة وتدخل الخدمة الفعلية سنة 1979، وقد طورت اسرائيل أربعة أجيال للميركافاة، وهي ميركافاة 1 سنة 1979، وميركافاة 2 سنة 1983، وميركافاة 3 سنة 1994، وميركافاة 4 سنة 2004، وقد تمتعت الدبابة بمواصفات مذهلة من حيث التدريع والمناورة والكثافة النارية، وصنفت من ضمن أقوى الدبابات العالمية وخصوصًا بعد تصنيع الجيل الثالث منها.

ولكن ككل حرب عصابات، كانت أساطير الجيوش تتهاوى أمام ضربات حفنة من المقاتلين البائسين، ففي العراق وأفغانستان مثلًا تم الفتك بدبابة الآبرامز المتوحشة، ولكن هذا كله كان مفهومًا في ظل مجتمعات وساحات مفتوحة كهذين البلدين يحتويان على أنهار من الأسلحة، أما في فلسطين وخصوصًا في غزة فلم يكن الأمر كذلك، كان كل شيء نادرًا، كانت الطلقة شيئًا يُحتفى به، وما زال المقاتلون الأوائل لا يملون من التذكير بأن قطعة السلاح الصدئة كانت تمر على خمسة وعشرة أشخاص، وهذا يعني أن الشجاعة هنا تكتسب بعدًا جديدًا وأكثر مدى، بعدًا متجاوزًا لحالة الأسطورة.

مثلًا في عام 2004 كان وائل نصار في حي الزيتون يشرف على استهداف دبابة ميركافاة ويقتل ستة جنود بداخلها، يومها تمكن مقاتلين من سرايا القدس وكتائب القسام من الحصول على بعض أشلاء الجنود ومقايضة الجيش الإسرائيلي بالإنسحاب من الحي ونجحوا في ذلك، بعدها بفترة وجيزة كان الشيخ خليل-قائد سرايا القدس في غزة-يشرف على عملية لم ينساها الجيش أبدًا، قذيفة أربيجي تستهدف دبابة اسرائيلية على محور فيلادلفيا وتقتل من فيها، انتشرت أشلاء الجنود بعيدًا، وفي مشهدٍ مذل اضطر عشرات الجنود للجثو لمسافات طويلة ليعثروا على أشلاء جنودهم، وفي خانيونس تمكن عبدالسلام موسى وأحمد عبدالهادي-الأول من كتائب القسام والثاني من حركة فتح-من تفجير احدى الدبابات ونثروا قطعها لمسافات طويلة، وما زالت مدينة خانيونس تحتفظ ببعض أجزاء هذه الدبابة وتضعها على مفترقات الطرق.

في غزة مرة أخرى، أصبحت الميركافاة لعبة، مجرد كتلة حديدية متحركة، قبر متحرك في لحظات الإلتحام، حسن الهندي –أحد منفذي عملية زيكيم- اقترب من الدبابة كأنها لا شيء وفجرها من مسافة الصفر، وعبد الحميد المغربي فعل نفس الأمر تمامًا، وهذا المشهد الصفري تكرر أكثر من خمسة عشر مرة أثناء حرب غزة الأخيرة وحدها، مقاتلين شجعان لا يهابون شيئًا يلتحمون مع الدبابة وجهًا لوجه ويلصقون بها العبوة ويفجرونها، كان أكثر المشاهد المؤثرة حقًا ما فعله باسم الأغا عندما وضع قذيفة البي29 بجانب الدبابة فسقطت منه، لم يشأ أن يعود خالي الوفاض-وهو الذي دعى أن لا يعثر على قطعة واحدة من جسده-وبسرعة أمسك بالقذيفة والتصق بالجزء الخلفي من الدبابة وفجر نفسه، يقال أن الدبابة استمرت تحترق طول الليل، وهذا يعود إلى جانب الشجاعة المطلقة إلى وجود الإرادة الواعية التي طورت من أسلوب المواجهة الصفرية مع الدبابات لتعويض النقص في السلاح والعتاد.

للمفارقة، المفارقة المضحكة حقًا، فإن أبرز عمليات أسر الجنود الإسرائيليين –جلعاد شاليط وشاؤول آرون- كانت من خلال تمكن المجاهدين من انتزاعهما من وسط الدبابات أو المدرعات التي كانوا بداخلها، فتأمل كيف أصبحت "عنوان القوة" الإسرائيلية مجرد عنوان لأسوء كوابيس الجيش الإسرائيلي؟ استشهد عبد الحميد المغربي قبل أن أسأله ذلك السؤال هو وباسم، يا أحباب الله كيف كان ملمس الدبابة؟