واضح انه في ظل حكومة اليمين "الإسرائيلي" المتطرف، فإن وضع المقدسيين سيشهد المزيد من التدهور وتضيق الخناق عليهم، ومحاربتهم في تفاصيل حياتهم اليومية، وسن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية، واتخاذ قرارات لها أبعاد خطيرة بعمليات التطهير العرقي والتهجير القسري للمقدسيين.
منذ بداية تشكل الحكومة "الإسرائيلية" الحالية، والحديث يجري عن أيام سوداء ومراحل عصبية تنتظر سكان العرب المقدسيين، حيث شهدنا حالة وخطوات من التصعيد غير المسبوق ضد القدس والمقدسيين،فكان هناك قرار للجنة البناء والتخطيط بإقامة (90) وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة جبل أبو غنيم (هارحومه) جنوب القدس، وقد استبقت الحكومة الإسرائيلية هذا القرار بقرارات لها مخاطر وأبعاد استراتيجية على الوجود والطابع العربي- الإسلامي للمدينة، فقد اتخذت حكومة الاحتلال في اجتماعها الثلاثاء الماضي في ما يسمى بـ"متحف اسرائيل" عدة قرارات تصب في تهويد المدينة وتعزيز السيطرة عليها ومنع إعادة تقسيمها، وبما يمنع أية إمكانية لحل سياسي يقوم على أساس الدولتين، وبأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة. فقد تم نقل وزارة شؤون القدس لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مباشرة، بعد أن تم فصلها عن يهود الشتات، وهذا يعني بأن نتنياهو سيكون مسؤولاً عن كافة القرارات والمشاريع المتعلقة بالاستيطان والتهويد، وكذلك تم المصادقة على عدد من القرارات التي من شأنها تعزيز "يهودية" المدينة" في إطار "توحيد المدينة"، ومن هذه القرارات تشكيل لجنة رسمية من اجل إحياء "اليوبيل الذهبي" لإحتلال المدينة في عام 2017، ذكرى مرور خمسين عاماً على احتلال القسم الشرقي من مدينة القدس، وعملية الإحياء تلك تشمل إقامة فعاليات ثقافية، رياضية، تعليمية، تراثية،فنية ..الخ. وأيضا من ضمن القرارات المتخذة خطة خماسية تمتد من 2016 – 2020، تهدف لتعزيز السيطرة "الإسرائيلية" على المدينة، يجري من خلالها تحسين البنية التحتية وسد الثغرات في هذا الجانب ما بين القسمين الشرقي والغربي من المدينة، وكذلك زيادة وتكثيف زيارة المستوطنين الى حائط البراق، وتنفيذ مشاريع في حائط البراق، واستمرار العمل بحفر الانفاق اسفل وحول المسجد الأقصى وتحسين بنية النقل العام وتوسيع جولات الطلاب والجنود التعليمية للقدس وحائط البراق، وتخصيص ابنية في القدس الشرقية للمؤسسات الثقافية والرياضية والفنية وغيرها. هذه القرارات الحكومية لها أبعاد مهمة وإستراتيجية في إحكام السيطرة على مدينة القدس، مدينة القدس التي يقول نتنياهو بالحرف الواحد مخاطباً زعيم البيت الصهيوني هرتصوغ "سنستمر في البناء في القدس، وستبقى عاصمة "دولتنا" الأبدية، ولا عودة الى قدس مقسمة تنصب فيها الأسلاك الشائكة، او يقف القناصة على أسوارها". وفي هذا السياق ولتحقيق هذا الغرض أعلنت وزير الثقافة والرياضة "الإسرائيلية" المتطرفة "ميري ريغب" من البيت اليهودي عن نقل مقر الوزارة من تل ابيب الى القدس، ودعا اوروي ارئيل وزير الزراعة ونفتالي بينت وزير التعليم من نفس الحزب الى تمكين اليهود من الصلاة بحرية وإقامة صلواتهم التلمودية والتوراتية في المسجد الأقصى، وقالا بأن ذلك سيتحقق قريباً. "اسرائيل" لا تكتفي بالخطط النظرية ولا بالشعارات ولا بالبيانات، هي تقوم بعمليات التنفيذ على الأرض لكي تغير من الوقائع والحقائق، وتحدث تغيراً جوهريا في البنية الديمغرافية في المدينة لصالح المستوطنين، وبما يحول العرب المقدسيين الى جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع. حيث قامت بافتتاح مركزين جديدين للشرطة واحد في جسر "أم البنات" خلف المدرسة التنكيزية، وأقيم على آثار اسلامية من الفترتين المملوكية والعثمانية في إطار توسيع ما يسمى ببيت "شتراوس" التوراتي والذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن الحائط الغربي للأقصى، والمركز الآخر في منطقة باب النبي داود على وقف ال الدجاني. وهذا ترافق مع تصعيد ميداني كبير،عمليات هدم للمنازل والمحلات التجارية في منطقة واد قدوم وسلوان وغيرها من البلدات المقدسية،ناهيك عن توزيع عشرات أوامر الهدم الإداري،وقيام بلدية الإحتلال بتصوير احياء كاملة كما حدث في عين اللوزة بسلوان. وحكومة الاحتلال لم تكتف بذلك بل عمدت الى تصفية الشهيد عمران ابو دهيم أمس الأربعاء في مفترق جبل الزيتون بالطور، عندما قام بتجاوز احدى سيارات شرطة الاحتلال بسبب حالة الازدحام هناك، ليطلق عليه جنود الاحتلال النار بدم بارد ويستشهد في مشهد أصبح مألوفا ودون أي حسيب او رقيب، حيث كل فلسطيني يفقد السيطرة على مركبته او سيارته لخطأ بشري او خلل ميكانيكي في السيارة تطلق عليه النار بدون سابق انذار، والحجج والذرائع جاهزة حاول دهس مجموعة من الجنود او المستوطنين، أوامر بالقتل وأحياناً إشادة بالقتلة ولا محاسبة لهم. العقوبات الجماعية بحق المقدسيين ستتصاعد، والاحتلال يعلن عن ان محاكمات المقدسيين المتهمين بالتحريض على مواقع التواصل الإجتماعي ستتواصل وتتوسع، حيث حكم على البعض منهم بأحكام قاسية، في حين المحرضين من المستوطنين على قتل العرب وطردهم وترحيلهم،لم يتم مساءلتهم وليس محاكمتهم، وليس هذا فحسب فنحن نشهد تصاعد كبير في عمليات الإعتقال للقاصرين والأطفال المقدسيين، وتفرض عليهم أحكام جائرة وظالمة، ومن يطلق سراحه منهم، يجري إبعاده عن مكان سكنه او يفرض عليهم حبس منزلي وغرامات باهظة لحين المحاكمة. والأقصى يشهد ارتفاعا كبيرا في وتائر اقتحامه، مع سماح ما يسمى بمحكمة العدل الإسرائيلية للمتطرف الصهيوني "يهودا غليك" بالعودة لاقتحامات الأقصى من جديد، ونحن شاهدنا في مسيرة ما يسمى بـ"توحيد القدس" قبل أيام كيف استباح الألآف من زعران المستوطنين بحماية المئات من عناصر الجيش والشرطة الإسرائيلية والخيالة المدينة وأقصاها، ومارسوا شذوذهم وعربدتهم بالصراخ و"العواء" والاعتداء على الفلسطينيين، والغناء والرقص بحلقات استفزازية ماسة بمشاعر وكرامة المقدسيين، وترديد عبارات وشعارات "القدس لنا" و"الموت للعرب"، ارحلوا أيها العرب القذرين وغيرها من العبارات والشعارات العنصرية. نحن الآن في القدس وفي ظل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، نقف أمام مخاطر جدية على عروبة وإسلامية المدينة، وعلى كل ما يمت لوجودنا فيها بصلة، حرب على كل شبر وزقة وزاوية وشارع، وجولات تصعيد قادمة تنذر بعواقب كبيرة للمقدسيين، الذين يقفون وحدهم في حرب المواجهة والتصدي لعدو يمتلك ويسخر كل الطاقات والإمكانيات من أجل اقتلاعهم ونفي وجودهم، ولكن كل ذلك يتحطم على صخرة صمود المقدسيين وتشبثهم بالبقاء والدفاع عن أرضهم ومقدساتهم ووجودهم. وثمة من يقول ولكن يا راسم ويا كاتبنا ما العمل..؟؟ والعمل أن نعتمد ونعول على ذاتنا وطاقتنا وإمكانياتنا، فلا السلطة بوارد حساباتها القدس، والعرب والمسلمون كأمة دخلوا في سبات عميق وحروب تدمير ذاتي مذهبية وطائفية، والأمة تلفظ أنفاسها الأخيرة.