عندما شنت إسرائيل عدوانها الأخير في تموز/2014 على قطاع غزة، كنا ندرك بان الهدف ليس غزة،بل الانشغال في الحرب على غزة من أجل الإجهاز على القدس، والمغدور شارون عندما انسحب من غزة قال بأنه انسحب من غزة من أجل السيطرة على الضفة الغربية والقدس...والآن يعاد طرح مشروع الدولة الفلسطينية المؤقتة بقوة بعد فوز الليكود في الانتخابات الإسرائيلية، وتصريحات نتنياهو بأن لا دولة فلسطينية غرب نهر الأردن ولا تقسيم للقدس ولا عودة للاجئين.
واضح بأن الحالة الفلسطينية المنقسمة على ذاتها واستمرار المناكفات والتحريض والتحريض المضاد وعدم تحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، وكذلك ضعف حكومة الوفاق الوطني، وغياب دورها عن القطاع لأسباب ذاتية وموضوعية منها إهمال وعدم اهتمام بهموم وشؤون القطاع المعيشية والحياتية (المشاكل الإقتصادية والاجتماعية والخدماتية) ومنها عدم تمكين حماس لها من القيام بدورها ومهامها ومسؤولياتها.
كذلك تراكم وتفاقم المشاكل في القطاع بسبب عدم فتح المعابر وعدم رفع الحصار وبطء دوران عجلة الإعمار، وعدم تلقي موظفي سلطة حماس لرواتبهم، مما فاقم من مشاكل وهموم القطاع فقر وبطالة وانقطاع كهرباء ومشاكل صرف صحي ومياه وغيرها...وهذه المشاكل فاقمت من أزمات حماس المالية والسياسية، وأصبحت حماس تفكر بطريقة كيف تستطيع ان تنجو بنفسها وتحفظ سلطتها، وفيما يبدو انه تحت هذا الضغط قد تقدم على خطوة من شأنها اذا ما نفذت بعيداً عن الشراكة والقرار الوطني، انت تذهب بالقطاع الى خطر الانفصال، من خلال التوقيع على هدنة طويلة مع حكومة الاحتلال، تلك الهدنة التي ستشكل خطر جدي على المشروع الوطني الفلسطيني، ليس فقط من خلال أن يصبح هناك تمثيل مواز للسلطة ومنظمة التحرير فقط، بل هذا سيضعف الموقف الوطني بشكل كبير،وبالتالي سيسمح بتنفيذ الرؤيا والمشروع الصهيوني بالسيطرة على القدس، وإقامة الكانتونات الفلسطينية المعزولة في الضفة الغربية.
قيادات حماس تتحدث من هنية إلى الزهار وموسى أو يحيى وغيرهم عن مشروع الهدنة الطويلة مع دولة الاحتلال، وأنه لا توجد موانع لديهم من تنفيذ هذه الهدنة على ان تشتمل على وقف شامل للأعمال العسكرية والعدوان على القطاع وفتح للمعابر ما بين القطاع والأراضي المحيطة به (الداخل الفلسطيني) ورفع للحصار وإعادة الإعمار والسماح بحرية الإستيراد والتصدير من وإلى القطاع، يضاف لذلك بناء الميناء وإعادة فتح المطار، وحتى لا نتطير كثيراً أنه في ظل غياب أفق للمصالحة واستعادة جدية وحقيقية للوحدة الوطنية، فالباب سيصبح مشرعاً على مصرعيه للتدخلات العربية والإقليمية والدولية وحتى الإسرائيلية لفرض حلول على الشعب الفلسطيني، من شأنها قتل مشروعه الوطني وتغيب قضيته وتفكيكها.
فما يجري من مبادرات تطرح وتشارك فيها قوى دولية كسويسرا وإقليمية كتركيا وعربية كقطر، ليست بعيدة بمعزل عن التشاور بشأنها مع إسرائيل وأمريكا، وأنا أجزم بأن اللقاءات الإسرائيلية – القطرية بهذا الشأن من أجل ربط غزة بالكهرباء الإسرائيلية والسماح بدخول مواد الإعمار عن طريق إسرائيل، والدور التركي في قضية إنشاء ميناء بحري للقطاع كمنفذ على العالم، وحل مسألة الرواتب لموظفي حماس من خلال سويسرا، وربط كل ذلك بالتصعيد العسكري ضد الجيش المصري من قبل القوى التكفيرية والظلامية في سيناء، مع كل فتح لمعبر رفح،يؤشر على أن هناك قوى تسعى الى تنفيذ مخطط يصل في نهاية الى فصل القطاع بشكل نهائي عن الضفة والقدس.
البعض قد يقول هذا كاتب لا يريد أن يرحم ولا أن تنزل رحمة ربنا، فالوضع في القطاع كارثي بكل المعاني، والناس في كرب شديد، والناس تريد ان ترى حلول لمشاكلها المتفاقمة، وما البديل أمام حماس في ظل غياب المصالحة وإهمال حكومة الوفاق للقطاع وتفاقم مشاكل وأزمات القطاع؟ فهموم الناس كبيرة وإقرار حماس للهدنة سيجعلها مثار ترحيب من قبل الشارع الغزي،الذي يريد ان يرى حلاً لمشاكلة.
المخاطر كبيرة والتدخلات كثيرة، والمشروع المعادي يريد أن يستهدف مشروعنا الوطني، فهو سيستخدم حماس في الضغط على السلطة في مفاوضاتها مع الإحتلال والذهاب الى المؤسسات الدولية، من أجل الموافقة على المطالب والإشتراطات الإسرائيلية، فحماس يبدو انها باتت مطلوبة من قبل العديد من الأطراف الدولية وبموافقة العديد من الأطراف العربية والإقليمية، والمأساة بان ضعف السلطة الفلسطينية وتآكل هيبتها، وحرصها على العلاقات مع الأطراف الراعية للمشروع الذي قد يلحق ضرراً بالغاً بالمشروع الوطني الفلسطيني (قطر وتركيا)، والمشروع الوطني لن يكون فقط هو الضحية،فحماس ستدفع ثمناً باهظاً، وإن كانت ستستفيد بالشكل الآني، فالمشاريع والمبادرات الغربية المطبوخة في مطابخ "السي آي آيه" وبموافقة الموساد والحكومة الإسرائيلية عليها، ستطلب من حماس وغيرها اشتراطات كبيرة، تفرغها من محتواها كحركة مقاومة، في المقدمة منها حل كتائب القسام ووقف تصنيع وتهريب السلاح وغيرها.
نحن نعرف الإحتلال جيدًا لا يلتزم لا بمعاهدات ولا اتفاقيات، فقط مصالحه وأمنه، وما دون ذلك يدوس على كل الاتفاقيات والتعهدات، وبالتالي بموقفنا الموحد وتغليب المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني، نوقف التدخلات عربية وإقليمية ودولية في شؤوننا الداخلية. إن تفرد حماس بقرار الهدنة مع الاحتلال سيكون أمراً كارثيا بكل معنى الكلمة، ويخدم الإحتلال في مشروع الحدود والدولة المؤقته، أن ما يفكر فيه العدو الصهيوني اتجاه قطاع غزة، لا يخرج من إطار حالة الصراع والاشتباك.
على حماس أن تراجع موقفها، وأن تتصرف بمسؤولية وطنية، عليها أن لا تقدم على توقيع اتفاق هدنة مع الإحتلال بشكل منفرد، عليها ان تعرض المشروع وتنضجه حواراً ونقاشاً من خلال عرضه على الفصائل ومنظمة التحرير للتقرير الجمعي بشأنه.