إن جميع الأحزاب الصهيونية أكدت في برامجها الانتخابية على نفس الموقف المتزمت والمتطرف من قضايا الحل الدائم فأجمعت على رفض تقسيم القدس أو عودة اللاجئين أو تفكيك مستوطنات أو الانسحاب لخطوط الرابع من حزيران ١٩٦٧ وهي قضايا المفاوضات الممكنة والتي يتمسك بها المفاوض الفلسطيني كخيار وحيد لتحرير الأرض الفلسطينية مما يقطع الطريق على أي حل سياسي للصراع.
أجمعت الأحزاب الصهيونية على رفض التسوية بل وذهب بعضها إلي أبعد من ذلك داعيا لضم الضفة الغربية والتخلص من العرب في داخل الكيان الصهيوني وشن حروب استباقية على إيران وغزة ولبنان وحتى مصر مما يعني أن القادم لقيادة العدو مجموعة من المتطرفين والمستوطنين والقتلة بغض النظر عن أسمائهم أو أسماء أحزابهم.
إن الضجيج الذي يثيره "بنيامين نتنياهو" في الجدل الذي فتحه مع الإدارة الأميركية على خلفية دعوته من رئيس مجلس النواب الأميركي لإلقاء كلمة من دون تنسيق مع البيت الأبيض في إطار تحذيراته من اتفاق مع إيران حول ملفها النووي بالحملة الانتخابية التي يخوضها من أجل كسب الانتخابات والعودة إلى رئاسة الحكومة مجدداً فقط بل بحقيقة مخاوفه من اتفاق لا يأخذ ما يعتبره مصلحة العدو الصهيوني وأمنها في اتفاق مماثل وفق ما يرى مراقبون كثر.
وهذا الضجيج الذي يفتعله هو الذي يثير اهتمام متابعين أكثر من الانتخابات الصهيونية نفسها انطلاقاً من اعتقاد راسخ هو أرجحية عودة نتنياهو وفق تحالفات يعقدها مع أحزاب صغيرة إلى رئاسة الحكومة مجدداً على رغم الحساسية التي يثيرها لدى البيت الأبيض أو تلك التي بات يثيرها لدى دول غربية عدة.
في ظل اقتناع لدى كثر بان الكيان الصهيوني قد يبدو أكثر ارتياحاً من أي وقت مضى في ظل ما يحصل في المنطقة بحيث لا يرى نفسه مضطرة إلى أن يقدم على أي تنازل في موضوع السلام في المدى المنظور خصوصاً أن ليس هناك من الضغوط ما يكفي لإرغامها على ذلك ولا وجود لأي قدرة خارجية على دفعها للقيام بذلك، ما يجعل الرهان على أي متغيرات قد تساهم الانتخابات في الوصول إليها في غير محله.
أضف إلى ذلك ما بات الجميع مقتنعاً به وهو أن نتنياهو لا يملك الزعماء التاريخيين للكيان الصهيوني القادرين أو الراغبين في إحداث تحول جذري في مسار الأوضاع في المنطقة.
يرى الفلسطينيون حتى وإن فاز اليسار والمعسكر الصهيوني، الذي لا يرون فيه اختلافاً كبيراً عن الليكود اليميني، إلى جانب غياب القضية الفلسطينية عن الدعاية الانتخابية للأحزاب من اليسار إلى اليمين.
لا تغييرات جذرية ولم يتوقع المختص في الشأن الصهيوني أي تغيير أو تغيرات جذرية على المستوى الفلسطيني لسبب رئيسي واحد، وهو أن كافة الأحزاب متوافقة بشكل كبير في كل ما يتعلق بالشعب الفلسطيني والحل السياسي معه.
إن الخطوط السياسية العريضة للمعسكر الصهيوني في الكيان الصهيوني، حسب استطلاعات الرأي لا فوارق بينها وبين سياسية حكومة بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بالحل السياسي للقضية الفلسطينية.
خلال الحملة الانتخابية للمعسكر الصهيوني صرح رئيسه "يتسحاق هيرتسوغ" أن لا شريكاً فلسطينياً حتى الآن للمفاوضات، وإن الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية هي حيوية لأمن دولة الاحتلال، وعن القدس قال إنها ستبقى موحدة، وهذه المواقف هي نسخة متطابقة مع مواقف الليكود وحلفائه في الحكومة الحالية.
أن نتنياهو مجرم حرب وكذاب محترف ورأيي فيه باقٍ من دون تغيير، غير أنني أجد أن أحزاب اليمين الأخرى في سوء ليكود أو أسوأ، وأن بعض قادتها يهاجم نتنياهو وقد عمل معه وشاركه في ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين، ففي السنوات الأربع عشرة الأخيرة شنت الصهيونية سبع حروب على الفلسطينيين، انتهاء بحرب نتنياهو في الصيف الماضي على قطاع غزة عندما قتل أكثر من ألفي فلسطيني، وقالت وكالات الأنباء العالمية والأمم المتحدة إن غالبيتهم العظمى من المدنيين، وبينهم 517 طفلاً.
كلهم مجرمو حرب سجلهم معروف ومسجل بالصوت والصورة، ولعل نتنياهو أفضل للفلسطينيين، وللعالم كله، من خصومه لأنه مفضوح مكشوف.