الدكتور ناجي صادق شراب: تأتي الانتخابات الإسرائيلية للكنيست العشرين في ظل سياقات وتحولات داخلية وإقليمية ودولية ستفرض نفسها على شكل الخارطة السياسية للقوى السياسية في "إسرائيل"، وعلى الخيارات والقرارات والأولويات التي ستتصدر عمل الحكومة الإسرائيلية القادمة.
فتأتي هذه الانتخابات في ظل احتجاجات اجتماعية واقتصادية متزايدة في "إسرائيل" تتصدرها الاعتبارات الأمنية والقلق المتزايد من اقتراب إيران لامتلاك القوة النووية وتأجيل المفاوضات بشأنها، وفي ظل تنامي دور المستوطنين، ودور الحاخامات الدينيين، وفي ظل ثقافة كراهية وتعصب عنصري وحقد ضد الفلسطينيين غير مسبوق، وبالتالي الثقافة السائدة التي ستجرى في سياقها هذه الانتخابات ترفض التوجه نحو السلام، وترفض قبول فكرة الدولة الفلسطينية، وسيادة ثقافة التشدد واليمين المتطرف.
وتأتي الانتخابات في سياق فلسطيني يتسم بالضعف، وبعد حرب على غزة دامت واحد وخمسين يوما ولم تحقق أهدافها بإجهاض قدرات المقاومة وبقاء خيارات الحرب مفتوحة، وتأتي في ظل تصعيد عسكري داخلي وعمليات قتل وإرهاصات انتفاضة داخل "إسرائيل" تعاملت معها بمزيد من القوة، والإجراءات الأمنية، وتأتى فى ظل تحولات إقليمية ودولية فى موازين القوى لا تعمل لصالح "إسرائيل، فتنامى دور القوى والحركات الإسلامية المتشددة، وخطر حركة داعش التي تسيطر على الأجواء السياسية في المنطقة، وفى ظل تنامي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وزيادة احتمالات عزلة "إسرائيل"، وتنامي القناعة الدولية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأيضا تنامي التوجهات السياسية الرافضة للقبول بـ"إسرائيل". والتي تطالب بنهايتها، وزيادة التهديد القادم من حزب الله، والطائرة بدون طيار التي أرسلها حزب الله إلى قلب "إسرائيل" كرسالة تهديد، والقدرة علي الوصول إلى أي مكان في الداخل الفلسطيني المحتل، وتنامي التصريحات الصادرة من قبل قادة حزب الله بقدرة الحزب التدميرية، وامتلاكها لآلاف الصواريخ المتاخمة لحدود فلسطين المحتلة والتجمعات الاستيطانية فيها.
وتأتي هذه الانتخابات ولأول مرة بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس والتي فاز فيها الحزب الجمهوري مما دعم من قوة نتنياهو ومواقفه المتصلبة، لكنها تأتى قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مما قد يزيد من احتمالات التصادم بين إدارة الرئيس أوباما والحكومة الإسرائيلية القادمة التي قد يرأسها نتنياهو، وفى ظل موقف أوروبي أكثر نقدا لسياسات "إسرائيل"، ولعل أبرز المظاهر التي ينبغي التوقف عندها أن هذه الانتخابات والتي تأتى بعد أقل من عامين على الحكومة الحالية وهى حكومة يمينية متشددة، تؤكد أن الحكومة القادمة قد تلقى نفس مصير الحكومة الحالية، وهو ما يعني أن "إسرائيل" ذاهبة لشكل من الائتلاف البرلماني الهش، والذي قد يدخل "إسرائيل" في حالة من عدم الاستقرار السياسي، الذي قد ينعكس على مزيد من الخيارات العسكرية في علاقات "إسرائيل" الخارجية، وخصوصا في العلاقة مع غزة وإيران.
التطورات السياسية غير المتجانسة داخل الائتلاف الحكومي القائم وخصوصا في أعقاب الخلافات بين نتنياهو ولبيد حول قضايا الموازنة والمطالبة بمزيد من المخصصات للجيش، وفي أعقاب الاختلاف حول توجهات قانون الدولة القومية الذي يحاول أن يدخل منه نتنياهو باب الانتخابات ليقدم نفسه على أنه الأكثر يمينية هل دفعت بنتنياهو للذهاب للانتخابات المبكرة لضمانه الفوز بها. وهي التي تفسر لنا أن هذه الانتخابات تتم في ظل تحول واضح للمجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من اليمين المتشدد، وفى ظل ثقافة رافضة، وثقافة تؤيد التوجه نحو القوة العسكرية لحسم القلق الإسرائيلي من التهديدات التي بدأت تلوح في أفق الانتخابات الإسرائيلية، وهي التي ستتحكم في توجه الصوت الإسرائيلي لأي من القوى الإسرائيلية.
نتنياهو يحاول إرسال رسالة للإسرائيليين أنه هو القادر على حفظ أمن وبقاء "إسرائيل" في مرحلة التحديات التي تواجههم، لكنه يحتاج إلى تفويض شعبي من جديد لاتخاذ القرارات المناسبة في ظل حكومة جديدة يكون له فيها القرار المؤثر، وأن هذا هو الهدف الأول من تشكيل حكومته القادمة.
وهنا يبرز أكثر من سيناريو للانتخابات الإسرائيلية القادمة: الأول وهو الأكثر احتمالا فوز معسكر اليمين الذي يقوده تحالف الليكود وهذه المرة بعض الأحزاب الدينية بتشكيل حكومة قادرة على تحقيق أهدافها المعلنة، والسيناريو الثاني: هو التكافؤ بين قوى اليسار والتي تشكل نواتها حزب تنوعاه والعمل، وهي قادرة على تحقيق عدد من المقاعد لكنها ستكون بعيده عن تشكيل الحكومة القادمة وهذا الاحتمال ضعيف، وفى ضوء أزمة القيادة التي يعانى منها هذا المعسكر. وأما السيناريو الثالث فهو: العودة من جديد لشكل الائتلاف الحكومي لعدم قدرة أي من القوى الرئيسة على تحقيق فوز منفرد، وهو احتمال قائم ولكنه أقرب إلى ائتلاف اليمين منه من إلى ائتلاف اليسار، ولذلك التصور الأخطر لهذه الانتخابات زيادة قوة اليمين، مما يجعل تركيبة الحكومة مكونة من القوة اليمينية، ومن حزب كحلون الجديد الذي قد يحقق ما يقارب الخمسة عشر مقعدا، مع الليكود المأمول فوزه بما يقارب الخمسة والعشرين مقعدا، ولذلك قد يشكل هذا محور الحكومة القادمة مع مشاركة الأحزاب الدينية.
يبقى التساؤل الحتمي ما هي التداعيات والسياسية التي يمكن أن تترتب على هذه الانتخابات وفوز نتنياهو وتحالفه الجديد بالانتخابات؟ لعل أبرز هذه التداعيات ستكون على مستويين، الأول خيار السلام الذي سيصبح مستحيلا وبعيدا لرفض أي شكل من أشكال قيام الدولة الفلسطينية، واستمرار سياسات الاستيطان، وزيادة احتمالات الحرب من جديد على غزة. والمستوى الثاني سيكون العمل على حسم الملف النووي الإيراني، بالذهاب للخيار العسكري وخصوصا مع زيادة احتمالات فشل المفاوضات مع إيران، واقتراب نهاية حكم الرئيس أوباما، وهو ما يدفع الكثيرين لاعتبار العام القادم هو عام الحسم سواء كان عسكريا أو سياسيا، وحتى مع موضوع الدولة الفلسطينية وعجز الإدارة الأمريكية على حسم الملف التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي.. ويبقى السؤال ماذا يملك الفلسطينيون من خيارات؟ وكيف سيتعاملون مع الانتخابات الإسرائيلية، ومع الحكومة الرابعة والثلاثين التي ستأتي بها؟.