مصطفى إبراهيم- عرب 48: تزامنت استقالة رئيس لجنة التحقيق البروفيسور ويليام شاباس المعنية بالتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في عدوانها الصيف الماضي على قطاع غزة، مع نشر فيديو مصور لإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة من قبل تنظيم داعش في عملية إرهابية وترويجية بشعة وغير مسبوقة لبث الرعب و تخويف الآخرين وتسيء للإسلام والمسلمين وتماهت مع عمليات الإرهاب الذي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
والخشية من تملص "إٍسرائيل" من جرائمها واستغلالها لذلك، وهي تعتبر نفسها جزءا من التحالف الدولي ضد داعش وتغطية هذا الإرهاب الذي تقوم به داعش على الإرهاب المنظم والممنهج الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عشرات السنين، وتحاول أن لا تظهر أيا من تلك الجرائم موثقة بالصور كي تنفي أي علاقة لها بها ولا تلقى أي تعاطف أو إدانة دولية وللتهرب من المسؤولية القانونية والأخلاقية والمساءلة.
شاباس بعد يوم واحد من استقالته من رئاسة لجنة التحقيق قال: "إنه لا يكن الاحترام لقادة إسرائيل"، وذلك ردا على سؤال لصحيفة "يديعوت أحرونوت": إذا ما كان شعر بالإهانة من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ومن بينهم نتنياهو، و ليبرمان، فقال شاباس: "كي تشعر بالإهانة ينبغي أن تكون تحترم منتقديك، لكنني لا أكن الاحترام لهم".
استقالة شاباس، في هذه الظروف من شأنه أن يقنع جهات دولية كثيرة بأن التقرير غير متزن، وأنه كتب من خلال الانحياز السياسي الحاد ضد "إسرائيل"، وهذا كان وما يزال الهدف الأساس لإسرائيل والذي مارست الضغط عليه وعلى لجنته وعلى مجلس حقوق الإنسان، وشنت حملة التشكيك والتشويه بحقه منذ تولّيه هذا المنصب، بهدف التغطية على الجرائم التي ارتكبتها خلال عدوانها على قطاع غزة.
كما أن "إسرائيل" تهدف من وراء ذلك إلى إجهاض أي جهد دولي للتحقيق في جرائمها ومساءلة ومحاسبة مرتكبيها من المسؤولين السياسيين والضباط والجنود في الجيش الإسرائيلي، وموقفها ليس غريبا وهو سيكون نفس الموقف من أي لجنة تحقيق بغض النظر عمن يرأسها أو عن أعضائها، فتاريخها حافل بمثل هذه الممارسات للتغطية على جرائمها، فهي أعلنت رفضها لتشكيل اللجنة أو التعاون معها حتى قبل تسمية رئيسها وأعضائها ومنعت اللجنة من الوصول إلى قطاع غزة، وهو ما سبق وأن قامت به مع لجنة التحقيق التي تشكلت في العام 2009 برئاسة القاضي غولدستون.
الهجوم على شاباس محاولة لوأد تقرير لجنة التحقيق مع اقتراب انتهائها من أعمالها وتقديمه لمجلس حقوق الإنسان في جلسته نهاية الشهر القادم، ويأتي على وجه الخصوص، بعد قيام فلسطين بتوقيع صك الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، ومباشرة المدعية العامة للمحكمة لدراسة أولية للحالة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وخشية "إسرائيل" من فتح تحقيق مستقبلي يفضي إلى مساءلة محتملة لقادة الاحتلال المتهمين بارتكاب جرائم حرب.
مطلوب من الأمم المتحدة اتخاذ موقف واضح من حملة الضغط والحملات التي تمارسها "إسرائيل" على اللجنة، وأن تعمل على الضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي للتعاون مع لجنة التحقيق، وإن عدم قيامها بذلك لن يردعها ويشجعها على الاستمرار في ممارساتها وجرائمها.
ويجب على الأمم المتحدة وأمينها العام "بان كي مون" من خلال صلاحياته ودور الأمم المتحدة تمكين لجان التحقيق من ممارسة ولايتها والدفاع عن مبادئ العدالة والإنصاف، فـ"إسرائيل" هي الدولة الوحيدة التي ترفض التعامل مع لجان الأمم المتحدة، وهي التي قصفت مقرات تابعة للأمم المتحدة أكثر من مرة في الأرض الفلسطينية المحتلة دون أن تتخذ الأمم المتحدة أي موقف جاد من ذلك.
كما على المجتمع الدولي والمجموعة العربية الانتباه لنوايا وأهداف "إسرائيل" وخطورة محاولاتها وأد تقرير لجنة التحقيق والمساعي لتقويض عمل اللجنة واستكمالها لما خولت به من تفويض، وإفلات "إسرائيل" من المساءلة و المحاسبة.
"إسرائيل" مصدر الإرهاب المنظم، والخشية قائمة من قدرتها على الإفلات من العقاب والقول إنها مستهدفة والتغطية الدولية لها من الولايات المتحدة، واستغلال ما تقوم به الجماعات المسلحة المنسوبة زوراً على الإسلام من ارتكاب عمليات إرهابية، وتمنح "إسرائيل" المبرر للتغطية على إرهاب الدولة الرسمي بحق الفلسطينيين، وكانت قد سبقت داعش وقامت بحرق الفلسطينيين منذ سنوات، وكانت جريمتها الأخيرة بحرق الطفل محمد أبو خضير من القدس.