الكاتب جهاد حرب
يُكمل الرئيس محمود عباس عقده الأول في الحكم، أي يصادف اليوم الذكرى العاشرة لانتخاب الرئيس التي جرت في التاسع من يناير عام 2005، فيها من الانجازات والاخفاقات، ومن الحركة والسكون، والإحباط والمثابرة. لكن يمكن للمتتبع لمسيرة العشر سنوات أن يقسم هذا العِقْدَ الى ثلاث فترات طبعا ليست متساوية في الزمن بقدر طبيعة الحكم.
طبعا هذه المقالة لن تتسع لجرد عمل عشرة سنوات في جوانب الحكم المختلفة بل هي ربما تفتح نقاشا أو هي محطة تفكير أو تقييم لمرحلة تاريخية هامة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وتزداد أهميتها لانها التجربة الثانية أو تجربة للشخص الثاني في التاريخ المعاصر للشعب الفلسطيني الذي يتولى الرئاسة سواء على مستوى منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية لفترة طويلة.
وفي ظني ان الرئاسة الفلسطينية في عشريتها الاولى مرت بثلاث مراحل: اتسمت المرحلة الاولى بتعزيز روح الديمقراطية داخليا ومحاولات اعادة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وهي المرحلة الاولى والأقصر عمرا، دامت تقريبا مدة عام، من الانتخابات الرئاسية الى اجراء الانتخابات التشريعية بداية عام 2006، نجح خلالها الرئيس بعقد اتفاق القاهرة، وعقد تهدئة لوقف العمليات المسلحة، وإجراء الانتخابات التشريعية رغم كل المخاطر او التحذيرات انذاك، وتفعيل ضغط دولي على الحكومة الاسرائيلية للعودة للمفاوضات.
أما المرحلة الثانية فقد اتسمت بمرحلة الحفاظ على النظام والإمساك بزمام السلطة. بدأت هذه لمرحلة بفوز عريض لحركة حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومتها وبروز صراع ذا ابعاد مزدوجة الحفاظ على مؤسسات السلطة من الحمسنة حيث تم اتخاذ قرارات رئاسية وتشريعية بضم مؤسسات عامة الى ديوان الرئاسة، ومحاولة الابقاء على مؤسسات السلطة بعد سيطرة حماس بالقوة العسكرية على قطاع غزة ومؤسساتها، وفي نفس الوقت تركيز جهد كبير على جلب دعم دولي مالي لدعم مؤسسات السلطة الفلسطينية لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وتحسين الاوضاع الاقتصادية بشكل خاص في الضفة الغربية. امتدت هذه الفترة وصولا الى منتصف العام 2009.
فيما بدأت المرحلة الثالثة منذ عقد المؤتمر السادس لحركة فتح وعقد جلسة طارئة للمجلس الوطني لانتخاب اعضاء اللجنة التنفيذية بدلا من الذين وافتهم المنية على مدار ثلاثة عشر عاما في صيف عام 2009. اتسمت هذه المرحلة بمنح الرئيس هيمنة كبيرة على مؤسسات اتخاذ القرار، فباتت المؤسسات السياسية القيادية مهمشة الا بقدر الحاجة لإسماعها القرارات أو تمريرها. لكن هناك انجازات سياسية هامة، لا يجوز التقلقل منها، كترفيع مكانة فلسطين الى دولة مراقبة في هيئة الامم المتحدة، والتوقيع على اتفاقيات دولية بما فيها ميثاق روما. في المقابل حازت فلسطين على مكانة متدنية في مجال الديمقراطية حيث يقيم التقرير السنوي للتحول الديمقراطي في العالم العربي للعام 2013 الصادر عن مركز ابن خلدون للدرسات الانمائية حالة فلسطين بأنها "ديمقراطية دكتاتورية". فيما حصلت فلسطين على مكانة متدنية جدا في مقياس الديمقراطية العربي في اصداره الرابع وهي "مكانة فلسطين" في تراجع مستمر منذ بدء العمل بمقياس الديمقراطية العربي عام 2008 والصادر عن مبادرة الاصلاح العربي والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.
كما ما يزال التوصيف الذي قدمه تقدير الموقف الخاص بالـ "مائة يوم على رئاسة محمود عباس: بأي اتجاه تسير الأمور؟" بداية عام 2005 ينطبق على سلوك الرئيس في اعوامه العشرة الاولى حيث جاء فيه "يميل الرئيس عباس للبطء في اتخاذ القرارات وقد أظهر سلوكه خلال المائة يوم الماضية إن استعداده لاتخاذ القرارات الصعبة يزيد كلما ازدادت الضغوط الداخلية والخارجية عليه وأنه بطبعه يميل للانتظار والتروي فيما لو كان ذلك متاحاً له...... أما بالنسبة للقضايا الجوهرية ذات الطابع الاستراتيجي فلا يزال الرئيس يفتقد لجسم من الخبراء والمساعدين القادرين على تقديم العون له ولا يزال سلوكه وقراراته اليومية غير ذات صلة بتوجه استراتيجي متماسك رغم وضوح غايتها بعيدة المدى. كما أن بعض هذه القرارات، قد تم اتخاذه في وقت متأخر وبالرغم من وجود خلافات جوهرية أحياناً بينه وبين رئيس وزرائه بهذا الشأن..... كما أظهرت بعض القرارات "في الشأن الداخلي" التي اتخذها الرئيس ضعفاً شديداً في تقدير البعد الدستوري والقانوني لسلوكه".
لا تدعي هذه المقالة أو هي قادرة على اطلاق احكام لفترة حكم استمرت لعشرة اعوام، وما زالت مستمرة، بل هي لم تأتِ لتحاكم سلوك حكم دون مراعاة الظروف الذاتية والموضوعية المرافقة لهذه الفترة، وهي لا تحاول سبر اغوار حكمٍ في عشريته الاولى بل هي، كما ذكرنا اعلاه، مساهمة ومحاولة لفتح النقاش العلني والابتعاد عن همسات الغرف المغلقة او الوشوشات لإصدار الاحكام.