المكبر بكل ألوان طيفه الوطني السياسي والعشائري لم يبخل في دفع ضريبة الوطن والتحرير دماء وتضحيات فمن شهيد الانتفاضة الأولى- انتفاضة الحجر- كانون أول/1987 جمال مطر فشهيد مجزرة الأقصى عبد وراد زعاتره فشهداء معركة الأمعاء الخاوية حسين ومصطفى عبيدات فـإلى شهداء الحواجز العسكرية ونقاط العبور نضال السلحوت ومحمود هلسه وممدوح شقيرات وأنس عويسات، فالشهيد علاء أبو دهيم الذي تميزت عمليته بجرأة عالية،واعتبرت عملية نوعية بكل المقاييس والمعايير، ومن ثم عملية الشهيدين غسان وعدي أبو جمل، تلك العملية التي كان لها الكثير من التداعيات، والتي أحدثت صدمة في صفوف أجهزة الاحتلال الأمنية والسياسية، ولا ننسى الشهداء قاسم المغربي الذي جرى إطلاق النار عليه بدم بارد بعد أن فقد السيطرة على فرامل سيارته في منطقة باب الخليل، بحجة محاولة دهس مجموعة من جنود الاحتلال، وحتى وهو جريح ينزف وفاقد للوعي قام جنود الاحتلال بإطلاق النار عليه من أجل قتله.
وكذلك الشهيد إياد عويسات الذي استشهد على دوار بلدة صور باهر، أثناء عملية هدم بيت الشهيد حسام دويات، حيث توجه إلى بلدة صور باهر من أجل أخذ درس سياقه على دراجة ماتور، وقد قاده حظه العاثر إلى منطقة الدوار حيث قوات الاحتلال تفرض وتحاصر المنطقة من أجل عملية هدم بيت الشهيد دويات، وهناك أسرع للوصول إلى الدرس في الموعد المحدد ولتقوم قوات الاحتلال وبدون سابق إنذار بإطلاق النار عليه وتقتله بدم بارد.
هذه القوات دائماً التهمة لديها جاهزة محاولة دهس مجموعة من الجنود أو المستوطنين، وعلاوة على القتل تقوم سلطات الاحتلال باعتقال أبناء عائلة الشهيد والتنكيل بهم.
ومن بعد العملية التي نفذها الشهيدين غسان وعدي أبو جمل، أصبح كل شيء في المكبر مستهدف حجر وبشر وشجر، حيث كثفت سلطات الاحتلال من استهدافها وحربها الشاملة على المكبر، وقامت أجهزة الاحتلال بمختلف أذرعها ومسمياتها الأمنية والشرطية والبلدية والداخلية بشن حربها الشاملة على أهل المكبر، عمدت خلالها إلى شن عمليات اعتقالات وحشية طالت العشرات من أهالي جبل المكبر، وإغلاق مداخل البلدة بالمكعبات الإسمنتية، وبدأت بشن حرب شاملة على أهل المكبر، تطالهم في كل تفاصيل ومناحي حياتهم اليومية، فأجهزة البلدية ووزارة داخلية الاحتلال زادت من فرض غراماتها ومخالفاتها على أبنية وبيوت جبل المكبر وحتى المقامة منها قبل عشرات السنين تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص، ناهيك عن تسريع وتكثيف عمليات الهدم لتلك الحجج والذرائع، والتي كان آخرها اليوم هدم منزلي المواطنين خالد يوسف تيم هلسه وعماد أبو مياله في حي الفاروق، وأحد الأكشاك لبيع الساندويشات بالقرب من حي بشير.
وترافق ذلك مع حملة ضريبية شاملة طالت المحال التجارية والمركبات وحتى المشاة في الطرق، ناهيك عن حملات الدهم والمصادرات النهارية والليلية والتي قام بها موظفو ورجال ضريبة الدخل والمسقفات "الأرنونا" والتأمين الوطني وضريبة التلفزيون وغيرها، أضف إلى ذلك حملة التحريض والتهديد المستمر بالانتقام من أهل المكبر عبر إذلالهم والتنكيل بهم على الحواجز العسكرية وطرد وفصل المئات منهم من أعمالهم على خلفية عنصرية وقومية وفقط لأنهم من أهل المكبر، وأيضاً ما أعقب تلك العملية من اقتحامات مستمرة لبلدة جبل المكبر وخيمة عزاء الشهيدين، والذين احتجزت حكومة الاحتلال جثمانيهم لمدة ستة وثلاثين يوماً، ولم توافق على دفنهم في مسقط رأسهم في جبل المكبر، ليدفنوا في مقبرة السواحرة الشرقية، بشروط قاسية سواء لجهة عد المشاركين في التشييع (40) شخصاً، وكذلك دفع كفالة مالية بقيمة (20000) شيكل في صندوق المحكمة، إذا ما جرى الإخلال بشروط التشييع، ومما تجدر الإشارة إليه، أنه عقب استشهاد الشابين أبو جمل جرى اعتقال أفراد وذوي عائلاتهم والتنكيل بهم، ناهيك عن التهديدات الرسمية الإسرائيلية لأهالي جبل المكبر عامة وذوي الشهيدين خاصة، حيث اتخذت حكومة الاحتلال عبر وزارة داخليتها قراراً بسحب لم شمل وإقامة زوجة الشهيد غسان وإبعادها إلى قرية السواحرة الشرقية، وما زالت القضية بالمحاكم، وأيضاً تم إبلاغ العائلتين بقرار هدم منزلي الشهيدين.
هذه القرارات التي تندرج في إطار سياسة العقوبات الجماعية، بحق أهالي الشهداء والنشطاء المقدسيين، الذين جرى إبعاد ستة منهم إلى خارج مدينة القدس، والذين كان آخرهم الشاب فارس أيمن عويسات، الذي أبعد عن القدس لمدة خمسة شهور، وكذلك طالت القرارات "القراقوشية" اعتقال ثمانية مقدسيين على خلفية نشر أخبار وفيديوهات وصور على صفحات تواصلهم الاجتماعي "الفيسبوك"، باعتبار ذلك على حد زعمهم تحريضاً على الاحتلال وأجهزته الأمنية وشرطته، وقد قدمت لوائح اتهام بحقهم لحين المحكمة.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد فهناك من المستوطنين وقادة الاحتلال من دعا إلى حرمان أهل المكبر من كافة الحقوق الاجتماعية والصحية وإقامة جدار وبوابة حول القرية، أو طرد كافة سكان المكبر إلى خارج مدينة القدس إلى مناطق السلطة.
استمرار حملة التحريض بشكل رسمي وغير رسمي ضد أهالي جبل المكبر، هي استكمال لعمليات التنكيل والمخططات التهويدية بحق المكبر، فقد جرى مصادرة مئات الدونمات من أراضيهم لصالح المشاريع الاستيطانية وبالذات مستوطنة "تسيون زهاف" والتي أقيمت في قلب بلدة جبل المكبر وكذلك لصالح الشوارع الالتفافية والاستيطانية.
أصبح أبناء المكبر مطاردين في كل شيء بدءً من لقمة العيش وانتهاء بأبسط الخدمات من تعبيد الطرق ومد شبكات المجاري ومنح تراخيص للأبنية وغيرها.
المقدسيون بخاصة والفلسطينيون بعامة في اليوم يموتون ألف مرة بسبب السلسلة الطويلة من الممارسات والإجراءات الإذلالية والقمعية الإسرائيلية، وهذا يتطلب من المجتمع الدولي توفير الحماية الدولية المؤقتة للمقدسيين، ولجم حكومة الاحتلال وإلزامها باحترام القانون والاتفاقيات والمواثيق الدولية وبالذات اتفاقية جنيف الرابعة.