شبكة قدس الإخبارية

مستقبل المقاومة... بين حكايتي "الشلودي" و"حماد"

هيئة التحرير
محمد فارس

قَدَرُ الشعب الفلسطيني أن تأتيه الشواهد تلو الأخرى من قلب وجعه ووجع قلبه، شواهد تثبت مرة تلو المرة أن المقاومة لم ولا ولن تُمحى من ذاكرة الأجيال المتلاحقة مهما طال الزمن ومهما حاول البعض حرف بوصلة الفلسطينيين عن مسارها الصحيح.

خلال أسبوع واحد، عايش الفلسطينيون واقعتين في غاية الأهمية بدلالاتهما وحيثياتهما، جغرافيًا كان الفارق بينهما حرفٌ واحد، فبين "النون" و"الدال" ارسمت ملامح تلك الواقعتين من بلدة "سلوان" شرقي القدس المحتلة، امتدادًا إلى بلدة "سلواد" شرقي مدينة رام الله.

ويجد المتأمل في واقعتي استشهاد البطل عبد الرحمن إدريس الشلودي، منفذ عملية دهس المستوطنين بالقدس، واستشهاد الفتى عروة عبد الوهاب حماد برام الله، أوجه شبه عديدة تحيّر القارئ بما دلت عليه، فهما اللتان خُطتا بلون الدم القاني، ومزجتا بتراب الأرض الطاهر، جمعتهما عدة روابط أبعد ما يكون تزامنهما في هذا الظرف الفلسطيني الحالك ما يمكن أن يوصف بالصدفة.

في سلوان رأس حربة المقاومة بالقدس، كان الشهيد عبد الرحمن الشلودي ابن حي البستان الذي يواجه وحيدًا مشروع التهويد والهدم، قد رأى النور في العام 1993، أي قبل خمسة أعوام فقط من استشهاد خاله قائد كتائب عز الدين القسام في حينها المهندس محيي الدين الشريف.

لم يدرِ عبد الرحمن ذو الخمسة أعوام حينها، أنه سيأتي اليوم الذي يلحق فيه بدرب خاله الذي سطر حكايات المجد في مقارعة المحتل، بينما نمت فطرته السليمة منذ ذاك الحين، وهو يرى دموع أمه وجدته، على ألا تنازل عن حبة تراب من الأرض، وأن السبيل الوحيد لاستعادتها هي بالمقاومة والمقاومة فقط، وهو أمرٌ على ما يبدو أن من أضاعوا أعمارهم بصناعة "الفلسطيني الجديد" لم يدركوه بعد.

أما في سلواد مدرسة الرجال، كان الشهيد الفتى عروة حماد يكمل تفاصيل الحكاية التي ابتدأها جده قدورة حماد الذي شارك المجاهدين بالقتال ضد الانتداب البريطاني، فيما تقاطعت قصته مع الشهيد الشلودي باستشهاد خاله، وهو الشهيد نبيل حماد الذي ارتقى خلال أحداث الانتفاضة الأولى.

لم يقدّر للشهيد عروة أن يعايش ما جرى مع جده وخاله، إلا أنه عايش في صغره ما سطره ابن خالته قناص عيون الحرامية الأسير ثائر حماد، الذي اصطاد 11 جنديا إسرائيليا عام 2002 ببندقية أمريكية عتيقة.

رسائل واضحةٌ وضوح الشمس، يبرق بها الشهداء مزينةً بأرواحهم ودمائهم إلى كل أبناء شعبهم، بأن الأقصى لا يمكن أن يُمحى عنه ما أصابه من درن إلا بالدم والتضحية، وهي في ذات الوقت رسائل موجهة إلى كل عرّابي مشروع صناعة الفلسطيني الجديد، بأن خبتم وخاب مسعاكم، فنبض الفلسطيني المقاوم الذي حاولتم قتله لا زال يخفق غضبًا على المحتل، وحبًا للوطن، وتعلقًا بالشهادة، وبذلك يكون المستقبل الفلسطيني قد اتضح مساره؛ وتكفي الإشارة للّبيب.