قيل تزواج رأس المال والسياسة خطر يهدد أي كيان سياسي، وشكل من أشكال الفساد، ترى كيف بنا وقد اعتلى رجال السياسة والأمن صهوة الاستثمار؟ منذ بدايات قيام السلطة الفلسطينية سجلت الكثير من الملاحظات على بعض الساسة والمسؤولين فيما يتعلق باستغلال النفوذ لتحقيق مكاسب مالية ما كانت لتكون لولا الشخص في موقع المسوؤلية. وتورط العديد من مسؤولي السلطة في ملفات بصورة مباشرة أو غير مباشرة خاصة في مشاريع زراعية في أريحا، ولهذا وغيره من تجاوزات تم تأسيس هيئة مكافحة الفساد، التي تعمل، ولكن بوتيرة بطيئة.
اليوم يدور الحديث عما هو أخطر من عمل مسؤولي السلطة في الاستثمار، بل وصل الأمر في البعض الاستفادة من المساعدات الدولية، خاصة من وكالة دولية للتنمية، للقطاع الخاص، والدخول في شراكات مع مستثمرين آخرين لتأسيس مشاريع اقتصادية مشتركة. وهنا أقول يدور حديث، وإن صحت هذه الأحاديث فإن الأمر جد خطير، فكيف يمكن لمسؤول رفيع، صاحب نفوذ أن يرضى لنفسه هذا السلوك؟ وكيف يتم تخصيص هذه المساعدات؟ وإن صح ما يثار حول هذا السلوك، فلا بد من موقف قانوني، وموقف سيياسي سيادي يعيد الأمور لنصابها، خاصة إذا ما علمنا أن أكثر القطاعات الاقتصادية تأثراً بهذا السلوك هو القطاع الزراعي، حيث يشكل مصدر دخل الفقراء والمعوزين من أبناء الشعب الفلسطيني.
وبعيداً عن الحديث في العموميات فإن حديث قوي يدور الآن حول استثمار بعض المسؤولين في مشاريع زراعية في سهل البقيعة المستهدف من قبل سلطات الاحتلال، وأن بعض المسؤولين دخل في شراكات مع آخرين، واستفاد من تمويل سخي من وكالة دولية للتنمية. هذا مع العلم أن المسؤولين ليس لهم علاقة بالزراعة أصلاً، وأن الأراضي التي يتم الاستثمار بها مملوكة من فقراء المواطنين، ويتم استئجارها مقابل مبالغ رمزية، وتعتبر الركيزة الأساسية للحصول على التمويل. أمام هذا المشهد، إن صح ما يثار، فإننا مقبلون على نظام إقطاعي بنسخة فلسطينية، حيث يحصل المتنفذون على تمويل باسم الفقراء، ويستغل المتنفذ أرض الفقراء، ويقوم بتشيغلهم بأجور متدنية، ويعطي نفسه الحق في الاحتفاظ بهذه الأراضي لسنوات طويلة، من خلال دفع بدل الإيجار مقدماً لسنوات، مستغلاً حاجة الفقراء للمال. بصوت كل المتضررين أقول هذا وضع خطير، ووضع يهدد النسيج الاجتماعي، ومن شأنه إيجاد طبقة من الأثرياء المستبدين، ويؤشر لسلوك خطير فيما يتعلق بالمساعدات والمنح التي تقدم للشعب الفلسطيني. هذا الأمر يستدعي مراجعة حقيقية ليس لسلوك المسؤولين فقط، بل إلى طريقة تعاطي المؤسسات المانحة مع ما تقدمه من منح ومساعدات للشعب الفلسطيني، في ظل وجود معايير يعجز المواطن البسيط عن تحقيقها، وبالتالي تفتح المجال أمام بعض الحيتان للاستئثار بهذه المساعدات، وكأن الشروط وضعت لتحقيق هذه الغاية. رسالة إلى أبي شاكر وهيئته لا بد من تحرك سريع، قبل أن يصبح الفساد جزء أساسي من مكونات الكيان السياسي الفلسطيني.