تقرير خاص- بالدعاء وحده، تتعلق عائلة الصحفي المقدسي بشار القدومي 43 عاما، بعد مرور أكثر من 20 شهرًا على اختفائه في سوريا، وعجز مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية عن تحديد مصيره.
فمع اقتراب عيد الفطر، من العام 2012، حلَّت زوجة القدومي وطفلاه أنس وزهراء، في منزل العائلة بالقدس المحتلة، منتظرين التحاقه بهم خلال فترة العيد، إلا أن ذلك لم يكتمل.
اختفى في حلب
قبل صلاة العيد، أبلغ الصحفي العامل في مكتب قناة الحرة الأمريكية بتركيا، زوجته التركية الجنسية، أنه ينوي الدخول لحلب فور أدائه الصلاة، بعدما بسطت تنظيمات المعارضة سيطرتها شبه الكاملة هناك.
ويقول ناصر القدومي، شقيق بشار، إن شقيقه كان حتى ذلك الحين يمارس عمله كمراسل ميداني على الحدود السورية التركية، ويتصل بعائلته مستخدمًا برامج الاتصال عبر الانترنت "سكايب، فايبر"، قبل أن يقرر الدخول لحلب رغم اعتراض زوجته.
ويضيف، أن بشار دخل حلب بتغطية من الجيش الحر، والذي كان في أوج تقدمه على حساب الجيش النظامي آنذاك، وأنه دخل برفقة المصور تركي جونات أونال؛ بعد اعتذار مصور المحطة عن الدخول في هذه المغامرة.
ثاني أيام العيد، عصرًا، أكدت زوجة بشار مرور ساعات على اختفاء آثاره وانقطاع الاتصال به، وتغيير حالته عبر "سكايب" إلى غير متصل، فيما يؤكد أن ناصر أن العائلة لاحظت حينها اختفاء حسابه الشخصي عن "فيسبوك"، رغم أنه كان موجودًا حتى مساء اليوم الأول.
ويتابع ناصر، "عند الثانية عشر ليلا، اتصل بي شخص عرف على نفسه بأنه من مكتب قناة الحرة، وأبلغني بإصابة شقيقي واختطافه وزميله المصور، بالإضافة لمقتل صحفية يابانية في كمين استهدفهم".
بعد تلقيهم الخبر، اتصلت زوجة بشار بالجهات المختصة في تركيا، والتي أبلغتها بضرورة العودة للبلاد فورًا، فيما توجهت العائلة للصليب الأحمر، والذين أبلغوهم بأن دور الصليب يبدأ بعد العثور على الشخص المفقود، وأن البحث عنه ليس من مهامهم.
بعض الحقيقة
بعد أكثر من 80 يوما، أفرجت السلطات السورية عن الصحفي أونال، ليعود لتركيا ويكشف بعض تفاصيل الحادثة، موضحًا أنه دخل وزميله برفقة شخص سوري من الجيش الحر يدعى عبد الرحمن، ثم تعرضا والفريق الياباني لكمين استهدفهم بشكل مباشر، ما أدى لمقتل الصحفية اليابانية.
ويوضح أونال، أنه وبشار اختبئا خلف إحدى العمارات في المنطقة، وأن بشار أخرج رأسه لمشاهدة ما يحدث، فتلقى رصاصة في كتفه أسقطته أرضًا.
ويقول، إن بشار لفظ الشهادتين وطلب منه إبلاغ سلامه لأطفاله، ثم أخذ يضمد جرحه بكوفيته، فيما اندفع أونال في العمارة المجاورة يطرق أبواب شققها طالبا المساعدة، قبل أن يخرج من أحد المنازل رجل يتحدث عبر الهاتف، ويعطيه "منشفة"، دون أن يقول له كلمة واحدة.
ويضيف أونال، أن شخصًا على الأقل، هاجمه من خلفه بعد لحظات وعصّب عيناه، ثم اقتاده، وخلال ذلك سمع زميله بشار يعرف عن نفسه ويقول إنه يحمل جواز سفر أردني، ثم لم يعلم عنه شيئا بعد ذلك.
جاسوس إسرائيلي
تعددت الوفود الوسيطة في قضية القدومي، ويقول شقيقه، إن وفدًا تركيًا من صحفيين ووسطاء زار السلطات السورية قبل أشهر، ورفض حينها اصطحاب زوجة بشار معه، تاركا إياها تنتظر خبرًا على الحدود، ثم عاد ليسألها إن كان زوجها يهوديًا، أو جاسوسًا إسرائيليًا أو أمريكيا، كونه يحمل الهوية الزرقاء.
رغم هذه الرواية، إلا أن السلطات السورية تنفي بشدة علمها بأي معلومة عن القدومي، ويؤكد وكيل وزارة الإعلام، محمود خليفة، أن الدول العربية تعلم جيدًا بحمل فلسطينيي القدس المحتلة والداخل المحتل للهوية الإسرائيلية، رغما عنهم.
ويضيف خليفة، أن القدومي -رغم ذلك -، قد يكون واجه مشاكل وصعوبات بسبب هويته الإسرائيلية، وكونه يعمل مع محطة أمريكية أيضا، مبينا أن كافة الاحتمالات غير مستبعدة.
من جانبه، يستبعد عضو الأمانة العامة في نقابة الصحفيين، عمر نزال، صحة هذه الرواية، مبينا أنه في حالات الصراع لا يسأل أحد عن الهويات.
وبينما يرى خليفة، أن كافة الجهات مسؤولة عن حياة القدومي ومصيره، يرجح نزال عدم وجود بشار لدى النظام السوري، معللا ذلك بأن النظام كان سيقدم أي معلومة عنه.
البحث عن شخص آخر
ويقول نزال، إن امتلاك بشار للهوية الإسرائيلية، ربما كان دافعا لاتخاذه قرارًا بدخول سوريا باسم مختلف، لإخفاء هويته الأصلية، مايعني أن البحث منذ ذلك الحين لايسير في الاتجاه الصحيح، حيث يبحث الجميع عن بشار، بينما دخل بشار باسم آخر.
لكن هذه الرواية، لا تلقى تأييد الوكيل خليفة، والذي يرى أن الدخول لسوريا آنذاك كان يجري من خلال معابر تحت سيطرة قوات المعارضة، ما يعني أن الجميع يدخل دون أختام، وبالتالي فلا دافع حقيقي لدى بشار لتغيير هويته، خاصة أنه صحفي.
ويضيف، أن هذا الرواية وإن صدقت بالفعل، فإن بشار في حال تم اختطافه أو اعتقاله، لن يتردد في الكشف عن هويته الحقيقية، مبينًا أن اختلاف جنسيته كأردني أو فلسطيني مقدسي أو غير ذلك، لايغير من البحث عنه شيئًا، "نحن نبحث عن الصحفي بشار القدومي بغض النظر عن جنسيته".
ويتفق خليفة ونزال، على استبعاد احتمالية تعرض القدومي لعملية خطف على أرضية القرصنة أو الفدية، ويؤكدان أن الخاطفين لم يكونوا ليترددوا بتقديم مطالبهم لإطلاق سراحه.
ويبين خليفة، أن نافذة فتحت مع النظام السوري قبل أسبوعين، للإفراج عن الصحفي الفلسطيني المختطف منذ أشهر، مهيب نواجذة، والحصول على معلومات جديدة حول مصير القدومي، معربًا عن أمله بالنجاح في ذلك.
حتى الآن، تدعي السلطات السورية أن كافة المستشفيات تؤكد عدم وصول بشار القدومي مصابًا أو شهيدًا، فيما تضيع الحقيقة بين نفي النظام بشدة لما حدث، وتأكيده اختفاء القدومي في منطقة يسيطر عليها الجيش الحر، وبين صعوبة الحصول على معلومات دقيقة من التنظيمات المسلحة في سوريا.