لم يكن في منطوق الحكم المصري حظر حركة حماس وكل ما ينبثق عنها أيّ جديد، سوى الإعلان نفسه، فالتعامل وفقاً لهذا القرار بدأ قبل إعلانه بسنين سبقت ثورة يناير، لكن البعض منّا ممن ما زالوا يؤمنون أن مصر اليوم هي مصر الثورة، ولا يعترفون بالانقلاب على قيمها، وينكرون عودة نظام مبارك وانتشاره في كل المؤسسات المصرية، قد يجدون بعض الجديد فيه.
لا نستطيع النظر لهذا القرار خارج سياق الانقلاب وما بعده، وبمعزل عن كل التغيرات التي تجري اليوم في مصر.
فلسطينياً، كلّ تبعات هذا الإعلان التي قُدرت وخُمنت ليست بالجديدة، فالجيش المصري مستمر بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي لحصار غزة، والمعابر ما زالت مغلقة منذ زمن، والتضييق على خطوط إمداد سلاح المقاومة في قممه، وتلفيق التهم لكل ما هو فلسطيني ثم اعتقاله وترحيله لم يتوقف، وماكينات التشويه الإعلامية لم تقصّر يوماً في أداء واجبها اليومي في وضع حماس وغزة وفلسطين ضمن قصص يتم تخيلها واختلاقها ونشرها!.
لقد ضحك كثيراً خصوم حماس العاجزين على النيل منها ومن مقاومتها، وفرح من أراد الدخول إلى غزة على دبابة مصرية، وانتشى من يعتبر مقاومة غزة عقبة لابد من القضاء عليها لفرض مشاريعه الاستسلامية، فهذا الإعلان جدد لهم الأمل في التدخل المصري لإنهاء خصومهم في غزة بغض النظر عن التبعات على أهاليها.
أمّا على الصعيد الخارجي المصري، فيؤكد النظام المصري لحلفائه في إعلانه هذا ازدياد تفانيه في القيام بدوره الوظيفي، وعلى تعاونه مع قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية والإسرائيلية المنتشرة في سيناء للحد من خطوط إمداد سلاح المقاومة، وهو في إعلانه هذا يقدم ورقة جديدة لمن لم يقتنع بعد بانقلابه، متأملاً في إقناعهم بأولوية مكافحة الإرهاب عن الديمقراطية والاستقرار والسلم الأهلي الذي يطلبوه.
وفي نفس السياق، سيحافظ على ورقة قوية تصب في صالحه، ليبقى هو وحده من يدير اتفاق التهدئة في غزة من خلال جهاز المخابرات العامة، ولذلك لن يقطع جهاز المخابرات العامة قنوات الاتصال مع حركة حماس التي تم حظرها، ولن يُرحل قيادات الحركة المحظورة، ولن يسمح لذاك القرار بتوتير العلاقات معهم. موسى أبو مرزوق استنكر من القاهرة التي يقيم بها وعبر صفحته على الفيسبوك قرار الحظر، وأكد على دراية وعلم جهاز المخابرات العامة بتحركاتهم.
ولو تأملنا في الساحة الداخلية المصرية، سنجد هذا الإعلان منسجماً تماماً مع ادعاءات نظام ما قبل الثورة، والنظام الحالي ذاته الذي نجح بالانقلاب على كل قيمها في شيطنة الفلسطيني الذي يتسبب في كل سوء يجري في مصر!، والذي سعى (النظام) إلى خلق عدو وحيد في أذهان الشعب المصري اسمه حماس، قام باقتحام السجون وقنص العيون وتفجير الكنائس، وربما نسمع قريبا أن ذاك العدو هو المسؤول عن مجزرة الحرس الجمهوري وهو الذي قتل وحرق ودمر كل ما كان في ميدان رابعة!.
إعلان الحظر يأتي في ذات سياق تعزيز هذه الخرافات وغيرها في أذهان الشعب المصري، ليستمر نظام الانقلاب في العمل بأريحية تامة على إنهاء الآخر بكل أشكاله والذي اسماه “إرهاب”، وطيّ صفحة ثورة يناير وكل قيمها، من خلال تقوية “التفويض” الذي طلبه وحصل عليه، والتفاف المزيد من “المفوضين” حوله بمساعدة الإعلام الرخيص الذي يسيطر على كل المنابر.
حركة حماس محظورة في مصر وتتحمل كل تبعات هذ الحظر قبل الإعلان والنطق بحكم هذا الحظر المؤقت بسنين، والإعلان عنه اليوم لم يكن إلا لمصالح سياسية بحتة، وبنية تعزيز “فزاعة” الإرهاب التي يستخدمها النظام المصري منذ انقلابه لكسب المزيد من “المفوضين” الملتفين حوله، إلّا أنّ أكثر المتضررين منه هم أهالي غزة الذين يحكمهم اليوم حماس “المحظورة”، والذين قلّ بذلك أملهم بالفرج القريب وفك الحصار وانفتاح المعبر، ويبقى المتضرر الأكبر هو ذاك الفلسطيني الذي يعيش في شوارع القاهرة، المعرّض للأذى والاعتقال والضرب والترحيل وربما القتل خلال ممارسة يومياته العادية، فهو “فلسطيني حمساوي إرهابي” حتى يثبت العكس، هذا كلّه طبعاً غير التاريخ الذي سيضيف صفحة سوداء جديدة على ممارسات النظام المصري وتآمره على الشعب الفلسطيني ومقاومته.