"الصّهيونية هي العودة إلى حظيرة اليهودية قبل أن تصبح الرّجوع إلى أرض اليهود" هرتزل (بال–سويسرا) 1897م.
يخطئ من يظن أن قضية تحرير فلسطين هي محض قضية قومية أو قضية استرداد أرض عربية مسلوبة من عدو غاصب.
قضية فلسطين هي قضية العقيدة في مواجهة كل محاولات التغريب والاستعمار التي تكالب عليها بني صهيون لتزرع فيهم ومنهم أولياء لها، ليزيدوا في إبعاد الأمة عن واقعها المرير، وعن علاج مرض ذُلِّهم وخنوعهم، ليؤخِّروا فُوَاق الأُمَّة من دائرة الذّل التي أحاطت بها وارتَضتها سِمةً لحياة لا قيمة لها، وليَصرفوا نظر الأمة عن فساد جوهر صنعتهم في مطامع الصّهيونية التّوسّعية...
كيف سنطرد العدو من داخلنا طالما تمرّ ذكرى مجزرة كفر قاسم، وعرب الصبيح (الشبلي)، وعيون قارة، ودير ياسين ومذبحة النفق، وكلّ مجزرة ومذبحة من مسلسل المجازر الصهيونية الذي لم ينته ولم يتوقف لحظة منذ اغتصاب فلسطين، في ظلّ التواطؤ الدولي المفضوح، والعجز العربي غير المسبوق، ننساها ونتناساها فيتناساها أهلها ويهملونها.
27.2.1994 - ١٧رمضان ١٤١٤هـ - الأحد الأسود، سقط شهيد في النقب، سقط برصاص الغدر شهيد اسمه محمد أبو جامع، نعم (بكسر الباء) برصاص إسرائيل.. سقط واستشهد في المواجهات التي اندلعت في رهط، احتجاجا على استشهاد "٢٩"مصليًا وجرح "١٥٠" آخرين.. احتجاجا على مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف، التي نفذها ذاك الطبيب الغاشم الصهيوني المجرم باروخ جولدشتاين.
هل يعرف أبناؤنا عن الشهيد محمد أبو جامع..!؟ هل تقوم بلدية رهط بإحياء ذكرى استشهاد ابنها سنويًا..!؟ هل نتذكره أو نذكره كلّما مررنا من ذاك المجسم التذكاري في منتزه المدينة..!؟
30.11.2013 - ٢٦ محرم ١٤٣٥هـ - سبت النصر..كان لون النقب أبيض، ككفن لعدو غاصب. نزلت فيه الشباب إلى الميادين، إلى حورة النقب، فسطرت ملحمة وجزءًا ثانيًا من مسلسل النقب.. النقب الصامد.. النقب الغاضب.. الذي ثار واشتعل ورسم حنظلة وأعاد الكفّة إلى الميزان، حدد الخريطة الّتي يرتضيها أو على أقلّ تعبير لِنَقُل حدّد مِساحَة وجودِه وأبرزَها للعَيان.
هل فاق الشعب، أم استفاقت قادة السّاسة والسياسة من غيبوبة وحلم جميل..!؟ أم أن الشباب قد صلى صلاة الميت على جثمان الصّمت وَثار غاضِبًا..!؟
يحدث التاريخ في المرة الأولى كمأساة، وفي الثانية كمهزلة، وفي المرة الثالثة كشخرة في وجه العدم. (كارل ماركس)
تغتصب "إسرائيل" أراضي الفلسطينيين قطعة قطعة من أيديهم، لتستغل غفلة العرب الجماعية، للاستيلاء على أكثر مما حلمت به خلال نكسة 1967م، وها هي اليوم تحلم بنهر الأردن ومرتفعات الجولان، القدس والنقب. أَوَتمر يا عرب..!؟
المعنويّات بالنسبة "لإسرائيل" هي السلاح الأقوى لا محال، تحاول بكافة الطرق رفع معنويّات قواتها وشعبها في مقابل إبقاء معنويّات العرب دومًا منخفضة وَتحطيمها في كلّ فرصة تسمح لها بخلق قصص وحكايا ونبش مواضيع تدرك أنّها تؤثر في الوسط العربيّ بطريقة أو بأخرى. وعلى هذا الأساس وبه تغتصب الأرض وتحاول أن تشتت عرب النقب وفلسطين هذا ناهيك عن محاولاتها المستمرة في عزل النّقب وأبنائه عن بقيّة الجسد الفلسطيني بأساليبها الّتي باتت معروفة للإنسان الفلسطيني الواعي والمتبصر بالقضايا من حوله، والّتي يظهر لنا مؤخّرًا أنّها تبوء بالفشل وتتلاشى يوْمًا بعد الآخر. تصوِّر نفسها أنها مُحبَّة للسلام وأهلاً له ولدُعاته، وأنها كائنٌ ضعيف وسط جحافل جيوش الدول العربية الكارهة لها عنصرياً، فتلعب على هذا الوتر في مفاوضاتها مع العرب، وتتحامى وراء إعلامها الصهيوني، ستارًا من الدخان.
تعتمد "إسرائيل" على لعبة الهدنة حينما لا تجد منفعة في هجماتها، تُعد قوتها لعدوان جديد خلال فترة زمنية تستغل فيها سياسة الصلح مع العرب، وهذا ما حصل يوم الغضب الأخير، مصالحها الكاملة فوق الجميع، وإحراج النقب لها أمام العالم بإيصال خطورة "مخطط برافر" إلى الرأي العام الخاصّ والعربي والعالمي أيضًا قد شلّها وجعلها تعيد حساباتها، وجعلها أيضاً تطلب خدمة التسويق من أجل حملة دعايات لها حول العالم لتقول أن إسرائيل قد خصصت 2.200.000.000 دولار في تطوير النقب وتسوية الاستيطان البدوي فيه، وأن هذا المخطط سيغير وجه النقب. ولا أحد يرى ولا يروي ما الذي يُخطط له بالضبط..
هنا يكمن الدّور الأهم، في وسط هذه المعمعة السّياسيّة الّتي من المفترض أنّ الفلسطيني بات مدركًا لها، علينا أن نحكّم بصيرة الوطنية فينا والانتماء ومنها ننطلق لنثبت وجودنا في ظلّ مكان لا تناسبه إلا خطوات أقدامنا الّتي اعتادها وحفظها، المكان يحملنا في جنباته ويرتكز علينا الآن فلنكن أوفياء له ولنصنه.