شبكة قدس الإخبارية

الاعتقال السياسي ومجتمع الصامتين

أحمد البيقاوي

دق هاتف المنزل، استقبل الوالد المكالمة، ومعها استقبل استدعاءً لابنه فاروق من جهاز المخابرات في مدينة جنين. رفض فاروق الاستدعاء، فقد جرّبه مرّة قبل ذلك، ولن يسلم نفسه لعذابه مرة ثانية، أخبر المقربين منه، وتواصل مع الناشطين والصحفيين وأخبرهم بالتفاصيل، ووجه رسالة مباشرة لرئيس الوزراء رامي الحمد الله، مفادها أنه لا يريد سوى حياة عادية، لينهي دراسته التي تفوق بها. رسالة فاروق وصلت للمقربين من الحمد الله، وبالتالي لقد وصلته، لكن يبدو أنها لم تلقَ آذاناً صاغية، أو قد ضرب بها عرض الحائط.

بالأمس الأربعاء، حضر عناصر الأجهزة الأمنية من جنين لقرية عرّابة، وصلوا منزل فاروق، واقتادوه. قبل ذلك، رفض فاروق تسليم نفسه مباشرة لعدم قانونية الاعتقال، حسب قول أخيه، وكتب على صفحة الفيسبوك الخاصة به خلال محاصرة المخابرات لمنزله "عساكر ‏المخابرات الفلسطينية الظالمة تحاصر المنزل بهدف الاعتقال، ألم يكفهم ما ذهب من أعمارنا في السجون؟"، وأعلن عن بداية إضرابه عن الطعام حتى ينال حريته، ويعود لحياته الطبيعية.

خلال تواجد الأمن على باب المنزل، وقبل اعتقال فاروق، حضر الأسير المحرر الشيخ خضر عدنان، الذي يتابع اليوم قضايا الأسرى عند الاحتلال، وقضايا المعتقلين والمختطفين السياسيين عند الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وعندما عرف سبب مجيء الأجهزة الأمنية، قال لهم "مش مطولة"، وكان يقصد بذلك أن هذا الظلم لن يدوم أبداً، فهذا حال الدنيا، حسب قوله. لم يستقبل عناصر الأجهزة الأمنية كلمته بسلام، فاقتادوه مع فاروق.

اعتقال الشيخ خضر لم يدم طويلاً، فهو شخصية مشهورة ومعروفة، يحترمها جميع أبناء شعبنا، شهرة تجربته في الإضراب عن الطعام التي اقتدى بها العشرات من الأسرى، كانت وراء الاستياء العام من خبر الاعتقال، وهو ما أجبر الناطق باسم الأجهزة الأمنية عدنان الضميري على التعليق والتصريح على هذا الاعتقال قائلاً أن الشيخ عرقل عمل الأجهزة الأمنية وهو "لم يُعتقل، وأفرج عنه". كيف يتم الإفراج عن شخص غير معتقل!!!

قررت عائلة المعتقل فاروق عقد مؤتمر صحفي اليوم، سيحضره الشيخ خضر وبعض الأسرى المحررين، فكرة المؤتمر جاءت لإثارة قضية اعتقال ابنهم في الإعلام، وتسليط الضوء على قضية المعتقلين السياسيين بشكل عام. لم يستسلم أهله وقرروا الاستمرار في المعركة حتى تحرير ابنهم.

مواصلة المعركة وعدم الاستسلام للظلم، ما لا يفعله العديد من أهالي المعتقلين وأصدقاؤهم اليوم، فينتهي الحال بأبنائهم منسيين دون أي ذكر، يواجهون ظلمهم وحدهم، ويقاتلون في معركة بروح مهزومة.

اليوم، يوجد عدد من المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام منذ أيام في سجون السلطة الفلسطينية، دون أن يعرف عنهم أحد، ودون أن تتحول قضيتهم لقضية رأي عام يناقشها العامة، وهذا ما يتحمل مسؤوليته أهالي المعتقلين وأصدقائهم وحدهم، فمع تكتم السلطة الفلسطينية على خبر الإضراب، "وهو الأمر الطبيعي"، ومع إهمال الإعلام في تغطية هذه القضية وتتبع جديدها، وتجنب أو تخوف قيادات الأحزاب من متابعة قضية أبنائهم، لقد قصّر بعض الأهالي في الاتصال والتواصل لتصدير قضية أبنائهم للإعلام والمؤسسات الحقوقية، والبعض الآخر خاف من تبعات اثارة القضية، فآثر التكتم عليها، خوفاً من ثقل يضاف على ثقله.

اعتقال فاروق والشيخ خضر ليس الأول، ولن يكون الأخير، ولكن ما يميزه الجرأة والتحدي في الرفض، والإصرار على الإثارة في الإعلام، التي قليلاً ما نراها، الأمر الذي نحتاجه اليوم للتصدي للاستدعاءات والاعتقالات السياسية، وتأخر شبابنا عن التخرج من جامعاتهم، وتعطيل حياتهم، وتأخر تقدمهم، هذا غير الأذى الجسدي والنفسي الناتج عنه. من يتعامل مع قضية استدعائه أو اعتقاله على أنها معركة شخصية فهو واهم، ومن يستسلم ويسلّم للظالم متمنياً أن يخف عنه الظلم هو ظالم لنفسه، ومن يظن خيراً بإخفاء خبر اعتقال ابنه، أو التستر عن خطف أخيه، أو عدم الحديث عن استدعاء صديقه فهو جانٍ عليهم.

لن تتوقف الملاحقات والاعتقالات السياسية إلا اذا وقفنا ضدها، ورفضنا التعاطي معها، والاستسلام لها، ونبذنا كل من يقوم بها، ويشارك بتنفيذها، وأثرنا أخبارها، وصدرناها للإعلام وللمؤسسات الحقوقية.