شبكة قدس الإخبارية

رسائل لا تصل (12): الأخيرة

رحمة حجة
 لعبة إيجاد الفروق الثلاثة بين صورتين متشابهتين، كانت المفضلة لدي في غيابك، حيث أحاول معرفة الفرق بيني وبين طاولة الطعام، فوجدت أنها إذ تحمل الأخير، أنا أعده، وإن استوعبت كلينا أنا لا أحاول استيعاب غيرك، وإذا كانت مصنوعة من خشب، فقد خلقني الله من لحم ودم، أما الشبه الفاضح بيننا، أنك لم تتصل يومًا على أحدنا لتسأله "كيف الحال؟" كنّا نشاهد التلفاز معًا، دون أن نكون معًا، وبطلة الدراما منزعجة من بلادة زوجها، وأنت لا تزال تشرب قهوتك الباردة. البطلة تشكو لأمها، وأنا أنظر لعينيك فأجد التفسير الحقيقي للامبالاة.. البطلة تفقد صوابها لأن المجتمع يقف ضدها، وأنت تلوي شفتيك ساخرًا.. البطلة تقرر أن تموت لتنهي مأساتها، وأنت تقهقه إلى جانب وجع المعدة الذي يصيبني وتقول "يا للحماقة.. ماذا تريد النساء؟ ماذا يردن أكثر؟"، أتوجع أقل، وأتناول جهاز التحكم الذي يمكث دائمًا بين يديك، وأختار دراما أخرى، تقتل فيها المرأة زوجها، لا نفسها.. وأضحك أمام بلاهة نظرتك "هذه أقوى.. نعم"، ثم... الرسائل التي لا تصل.. لا داعي لكتابتها! كأنك تربّينَ عجلًا من أجل تجهيزه للبيع أضحيةً للعيد، تعدّين الطعام والحلويات والعصائر، ثم تخرجين وتغيبين لساعات مع صديقاتك أو أقاربك، والأطفال يظلّون بين تلفاز وحاسوب، وأنا لا أزال في أعمالي الهندسية غارقًا. خارج البيت عمل، وداخل البيت عمل، وكل ذلك من أجل أن تسابقي أمنياتك ولا تغدر بك واحدة لأن "اليد قصيرة"، ورغم هذا وذاك، "يعطيك العافية" لا أسمع منك. ثلاث جوائز ربحت بسبب إنجازاتي، قولي لي أين كنت في حفل الأولى؟ وفي الثانية والثالثة؟ مشغولة بأقاصيص المنزل والثياب.. نعم، لكنك لا تعلمين أنّي بعد هذا ســأ... الرسائل التي لا تصل.. لا داعي لكتابتها! قالوا عنكِ الكثير، ولاكوا جلدك طويلًا، وأنا لا يهمني كل الكلام يا صديقتي، إذ كنت مخبأ أسراري، وموئل دمعاتي، وأفكارك الحرة وطريقتك في الاستماع إلي والاهتمام بي كانت كافية لأن تصبحي فيما بعد صديقة عزيزة. أتعرفين ما هو الأصعب؟ أن أعرف أنك تخونيني في السر، وما ترينه جميلًا في حضرتي يصبح النكات التي تُفرحين بها الآخرين في غيابي.. أن تقولي على لساني ما لا أجرؤ على التفكير به، فكيف أنطقه! أن أفكر فيك الآن، وأفكر مجددًا بحماقتي التي فشلت في امتحانها معك، كما فشلت قبلها عديد المرّات. ربما كنتُ كافرة لألدغ من الجحر ذاته مرات، لكني أكيدة أنني.... الرسائل التي لا تصل.. لا داعي لكتابتها! الشهادة الجامعية والمال هما كل ما تملكه، ولا أملكه أنا.. فلا تلمني لأنني أصبحت شرطيًا، والشرطي محكوم بالأوامر، فإن قالوا "أغلق الطريق في وجهه" سأغلقه بكل طاقتي حتى يأتيني أمرٌ بالعكس. وإن صرختَ في وجهي وعاتبتني واتهمتني بالخيانة، وبيع البلاد، سأصمت، وسأقول في سرّي "من أنت لتحاسبني؟"، وإن حاولتَ المرور بالقوة سأمنعك، وإن استلزم الأمر سأضربك.. نعم سأضربك.. تفضحني على الشاشات؟ لا يهم، فالرئيس راض عني، وأنا بالنسبة له مستقبل الدولة الجديدة لا نُباحُكَ في المظاهرات الذي لا يُشعركَ إلا بالعطش.. هل أقول لك سرًا؟ حاول أن تنسى ما في الأعلى واسمعني، قرّب قلبكَ قبل أذنيك، أنا يا هذا لم أعد أ.... الرسائل التي لا تصل.. لا داعي لكتابتها! ما زلتُ غارقةً في الصّدمة، متخبطة في سيري، ومحتارة بين أسود وأسود آخر من ثيابي.. لا أعرف كيف بهذه البساطة تركتني! ألهذه الدرجة كان حبي عاديًا لتتخلى عنه بسهولة؟ ألهذه الدرجة كان حديثي مبتذلًا في اللقاء الأخير لكي لا تتمنى آخر بعده؟ حقًا لا أعرف ما أفعل، ما الذي كنت أستطيع فعله ولم أفعله كي نعود؟ قل لي.. أنت سعيدٌ الآن؟ وأنت ترى كل ما قلت إنه يعجبك فيّ يتكسّر الآن أمامي وأمامك، وأنت ترى الحياة ستمضي كما مضت على قصص أخرى وانتهى الأمر.. وأنتَ لا تراني ولا تسمعني؟ لا تلمني لاحقًا إن سمعت أشياء لا تود سماعها عنّي، واعلم أنك تحمل ذنب أفعالي جميعها التي... الرسائل التي لا تصل.. لا داعي لكتابتها! أجل.. ما من داع لكتابة الرسائل التي لا تصل، لأنها لن تصل، ولن يعلم أيّ من المرسل لهم فيها بها.. كانت مجرّد مضيعة للوقت.. وأعتذر لأنكم.. الرسائل التي لا تصل.. لا داعي لكتابتها.