لأجل كل الرسائل الذاهبة مع الريح.. وتعويضًا عن كل التأويلات الموجعة لعدم تلقي أيّ رد، كانت ”رسائل لا تصل“، موئلًا أسبوعيًا للباحثين عن مسافة البوح بين خطوات من الخوف والتردد.
تأخرتُ عليكَ اليوم في رسالتي، حيث عوّدتكَ بعثها بعد أذان الفجر من كل يوم، لكنني استيقظتُ متأخرًا، لا تضحك، فقد بدأ رمضان يؤثر على ترتيب وقتي.
وبصراحة أكثر، تلكأت، حيث لا أدري ما أقوله لك بعد آخر مواقف القيادة السياسية، وأعلم أنك لن تسامحني إذا أخفيتها عنك.
تريد أن تعرف؟!.. لم لا أقول لك عن فطورنا اليوم، إنه يضمّ طبقًا تحبه... أجل ها أنت عرفت، الملوخية إلى جانب الدجاج المشوي، مع الفلفل الأخضر الحار، تمامًا كما كانت أمي، رحمها الله تحضرّه. أنت تعلم، في بعض الوجبات لا يصحّ إلا الصحيح!
تريد أن تعرف؟؟.. لم لا أخبرك عن حفل تخريج سليم من جامعة النجاح الوطنية، بعد أسابيع عدة، ها هو يتنفس الصعداء لأنه أتم وأخيرًا سنينه الأربع في التاريخ، إضافة إلى الفصل الصيفي. ويظن أنه سيلاقي وظيفة بين آلاف الذين اختاروا الانضمام إلى سلك التدريس، حيث يصطفون بالآلاف سنويًا لتقديم امتحان القبول، وهيهات يجد له ترتيبًا بينهم، لذا أظنه سيعمل إلى جانبي في الدكان حتى يلاقي عملًا.. آآآه، لم أشغل بالك بهذا الحديث! اعذرني حيث يُتعبني مستقبله.
تريد أن تعرف؟! ممممممم اليوم التقيت بالحاج أبي قاسم، تتذكره أليس كذلك؟ ههههه أعتذر، أنت لا تتذكره حاجًا بالتأكيد، فقد كان ابن 25 عامًا حين غادرتنا. أظنه كان صديقك أيضًا! نعم إنه نعمان، ها أنت تذكرته.
المهم، شكا لي اليوم أنه ممنوع عن زيارة ابنه خليل المسجون لدى سلطات الاحتلال، وهو على هذا الحال منذ سبعة أشهر، بحجة أنه مرفوض أمنيًا، وابنته سعاد منعت عن السفر إلى الأردن قبل أسبوعين، أيضًا بذات الحُجّة. البارحة قدم لتصريحٍ جديد عبر الصليب الأحمر، وينتظر..
على سيرةِ التصاريح، الجمعة ذهبتُ وزينب إلى القدس، لقد سمحَت قوات الاحتلال للنساء من جميع الفئات بأن يدخلن القدس الجمعة فقط، بينما الرجال فوق سن الأربعين، الحمد لله تخطيتها منذ زمن.
هذا فضلًا عن التصاريح التي حصل عليها كثيرون لمدة شهر، ضمن حملة إسرائيلية جديدة، لا يهمني مغزاها بقدر السعادة التي رأيتها في عيون العديد من الصبايا والأطفال الذين يزورون القدس لأول مرة في حياتهم.
لكن السخرية أين تكمن يا أخي، حين يقول لك أحدهم "الله يخلف عليها اسرائيل سهلّت عالناس"، حينها لا أعرف أأبكي أم أضحك، فالعدّو يسلب أرضنا ويقيم الحواجز ويمنعنا عن بلادنا، من ثم "يتفضّل" علينا بتأشيرات دخول، وعلينا أن نقول "شكرًا".
تمامًا مثل حكاية الماء، تستولي سلطات الاحتلال على منابعه وآباره، من ثم تبيعنا إياه.. يا للمهزلة!
أراكَ ما زلتَ مُصرًا على أن تعرف. هل حقًا تريد؟ لم لا أخبرك عن خطيب ابنتي سلمى، الذي أصبح فردًا من العائلة، وسينتظر وإياها عامًا آخر، حتى يدّخرَ بعض النقود لاستئجار بيت لهما وتأثيثه، ولم نطلب منه الشيء الكثير.. أنت تعرف حال الشباب هنا. أو أخبرك عن مها وسمر وخالد و......
آآخ، أعرف أنني لن أنجوَ منك، نعم.. لقد عادت القيادة إلى خيار المفاوضات مع العدو، بالأحرى أعلنوه للملأ بعد أن دخلت رواقات السرّي وغير المباشر. الثوابت؟؟ لا، لا.. هذه المرة لا ثابت إلا التدخل الأمريكي.. يقول بعض المحللين إن الاتفاقات التي ستبرم قريبًا ستكون أسوأ من "أوسلو".. تعرفه بالطبع.
وفي كل محنة كهذه يا أخي، أسأل نفسي وأسألك، لم قاتلت؟ من أجل من قاتلت؟ وأنت مخفيّ الآن لا نعرف تحت أي ركام. ولا نعلم إن كان اسمك ما زال معك أم أنك ضعت مثل كثيرين.. مثل دلال!
انتظرناك العام الفائت مع ثلة المحاربين في الصناديق الملفوفة بالأعلام، الذين قدموا دماءهم في عمليات فدائية، لكنهم قالوا أنك لم تأت.. حتى أن أكثر من عشرة تقريبًا لم يتم التعرف على هويتهم، ماذا لو كنتَ بينهم.. قل لي ماذا لو؟!