لأجل كل الرسائل الذاهبة مع الريح.. وتعويضًا عن كل التأويلات الموجعة لعدم تلقي أيّ رد، كانت ”رسائل لا تصل“، موئلًا أسبوعيًا للباحثين عن مسافة البوح بين خطوات من الخوف والتردد.
أصبحتُ عاهرة وانتهى الأمر!
الآن، أشرب نخب الثالثة والثلاثين من عمري، وأقف في منتصف الشارع، أجابه احتمالات موتي، وأفكر.. أنا لا أحد.
كم مرة حاولت ألا أصل هنا، واحتميتُ بأشلاء حبنا، وطلبتُ منك مساعدتي على جمعها ورتقها بعناية. لكن قل لي، ماذا فعلت أنت؟
كنت تقول "أحبك" وتتركني على أرصفة الانتظار البغيض، حيث يمرّ كل العشاق عني موشَحين بابتساماتهم واشتباك أياديهم ووعود الأبد، وأنا أتعلّم الغيرة، والغيرة تحولت حسدًا، والحسد إلى حقد.
نعم.. تركتني.
صرتُ أبشعَ أمام المرآة، وجسدي أصبح معطوبًا بلا علامات اشتياق. وليس لعطري رائحة، مهما حاولت دسّه في قمصاني وفساتيني، أو غسل معصميّ به.. فكيف تكون له رائحة إن لم تعانقه بحواسك الست؟!
الشهر الأول للفراق الأخير مرّ بسلام. والثاني بصعوبة. والثالث، كان محمومًا بالشوق، وليس أمامي سواه، الذي قال لي كل ما لم تقله، ووقف إلى جانبي حين افترسَكَ البعاد.
فكيف أردّ له الجميل؟ وكيف أمنح قلبي فرصةً أخرى؟! لم يكن الأمر بتلك الصعوبة. خرجنا سويًا، وقضينا أوقات جميلة على صوت أرجيلته وطعم الشاي الثقيل المُحلّى بالأسَى، خاصّتي.
تطوّر الأمر، وأصبحت الأماكن العامة تزعجنا، فامتطينا المسافات بسيارته، حيث نستطيع سرقة بعض القُبل وأشياء أخر.
قال إنه يحبني.. وكما صدّقتُكَ، صدّقتُه. ووعدني بالزواج، وأيضًا صدّقته. لذا لم تعد تكفينا المسافات، والشبق أشدّ من أن ترويه بعض القبلات في سيارة.. دخلتُ شقته، وليس بنفس الحالة خرجت.
وهو، لم يكن أفضل منك، وكما كل القصص الحمقاء تركني أيضًا.
كيف أنظر لنفسي؟ من سيراني أصلًا؟ أنا محضُ سراب.. لا شيء!
فبعدَ السقوط الأول لا شيء سيرفعني، وكل الأفكار تسحبني إلى تحت. وفي ذلك الحين، عندما وزّع الله بعض قواه على الكون، ليتمتعّ بها الفاقدون والمرضى والمشردون والقانطون من رحمته، لم تصلني حصّتي، فمشيتُ إلى حتفي سريعًا.
أنا لم أكن "ابنة شوارع" كما يقولون عني الآن، ولم أرغب يومًا في أن أكون النموذج الذي تحذر الأمهات منه بناتهن، حين تقول الواحدة منهن "إياكِ والسير معها فإنها ساقطة.. والصاحب ساحب"!
أبي كان مثل كل الناس، يصلي ويصوم، ويحثنا على التعلّم. وأمي كانت تنهرنا إذا أخطأنا، وتدلنا على الصواب، وتقول دومًا "الله يستر عليكن"، كجميع الأمهات.
لستُ كذلك يا عزيزي، إنما اخترت بيع جسدي مقابل النسيان. وهل تظنّ أنّي نسيتك؟!
رأيتكَ في كلّ شارع ومقهى وسرير، وبيني و"هُم" .. أولئك الذين استنجدوا بصدري، وفتنوني بعباراتهم الكاذبة، والغواني كما يقول الشاعر "يغرهنّ الثناء"، كما رأيُتني أحترق بين أضلعهم وأبكيكَ وأبكي نفسي..
أصبحتُ عاهرة وانتهى الأمر!
أقف في منتصف الشارع، في منتصف العمر، في منتصف المسافة بيني وبينك، ولا أنتظرك، إنما أختار موتي، وأمضي وأمضي وحيدة، مجوّفة الفؤاد، وكما بدأت أنتهي.