شبكة قدس الإخبارية

«وحدة 504» الإسرائيلية... استخبارات تتخفّى في ثوب الإغاثة: كيف تواجه الحرب النفسية الرقمية على غزة؟

3CDpw
رامي أبو زبيدة

 

في خضم الحرب المستمرة على غزة، تتخذ المعركة أبعاداً تتجاوز الميدان والسلاح، لتصل إلى الفضاء الرقمي وحياة المدنيين اليومية. فقد رُصدت مؤخراً إعلانات ممولة تنتحل هوية «وحدة الاستخبارات البشرية 504» التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، تدعو سكان غزة للانضمام إليها تحت شعارات إنسانية خادعة مثل: «لا طعام، لا أمان، لقد دفعت الثمن الكافي... انضم إلينا الآن».

تعمل وحدة «504» منذ عقود في مجال جمع المعلومات البشرية (HUMINT) من خلال التجنيد والاستقطاب، وتُعرف بأساليبها المعتمدة على بناء الثقة ثم استغلال الحاجة أو الضعف النفسي والمادي لدى المستهدفين.

ما تفعله اليوم عبر إعلانات ممولة على المنصات الاجتماعية ليس سوى نسخة رقمية من التجنيد الكلاسيكي، لكن بثوب جديد يوهم الناس بفرص «النجاة» أو «العمل» أو «الحماية».

في واقعٍ أنهكته الحرب والجوع والنزوح، تبدو الرسائل الدعائية شديدة الإغراء، لكنها في جوهرها فخ استخباري منسّق يهدف إلى:

  • جمع معلومات دقيقة عن سكان القطاع، مواقعهم، أقاربهم، وأحوالهم.
  • استدراج فئات شابة للتواصل المباشر أو عبر وسطاء مزعومين.
  • بناء ملفات رقمية تُستخدم لاحقاً في الابتزاز أو الضغط أو الاختراق.
  • زرع الشك والخوف في المجتمع الفلسطيني عبر بث روايات مُحبطة تشكك في قدرة الناس على الصمود.

كيف تعمل هذه الحملات؟

تبدأ العملية بإنشاء صفحات تبدو محلية، تستخدم لغة الغزيين اليومية، وصوراً من الواقع الميداني، وشعارات تدّعي التعاطف الإنساني. ثمّ تُموَّل هذه الصفحات للوصول إلى مستخدمين داخل القطاع.

بعد التفاعل الأول، تُفتح قنوات مراسلة خاصة عبر فيسبوك، واتساب أو تيليغرام، يُطلب فيها من الشخص تقديم معلومات «ضرورية» أو «استكمال بياناته» للحصول على المساعدة.

في الحقيقة، كل رسالة، صورة، رقم هاتف أو عنوان يُرسَل، يدخل في منظومة تحليل استخباري إسرائيلية متخصصة ببناء خرائط بشرية واجتماعية للقطاع.

مخاطر مضاعفة

الخطورة لا تكمن فقط في تسريب المعلومات، بل في الأثر النفسي والمجتمعي لهذه الحملات. فهي تبث شعوراً بالعجز، وتسوّق لفكرة أن النجاة تمر عبر بوابة الاحتلال، وتخلق انقساماً داخلياً بين من يرفض ومن يستسلم. إنها حرب على الوعي بقدر ما هي حرب على الأرض.

كيف نحمي أنفسنا ومجتمعنا؟

كمجتمع مقاوم ومتعلم، المطلوب اليوم وعي رقمي وأمني متقدم يوازي وعي الميدان.

وإليك أهم القواعد العملية التي ينبغي على كل مواطن اتباعها:

1.⁠ ⁠لا تتفاعل مع أي إعلان مجهول المصدر، ولا تضغط على روابط ممولة تدّعي تقديم مساعدات أو وظائف.

2.⁠ ⁠لا تشارك معلومات شخصية أو صور هوية أو عناوين سكن.

3.⁠ ⁠لا تفتح مراسلات من جهات غير معروفة ولا تسلّم ملفاتك لأي شخص أو جهة تزعم تقديم تسهيلات.

4.⁠ ⁠وثّق الإعلان بلقطات شاشة وتاريخ النشر، وابلغ الجهات المحلية الموثوقة أو المؤسسات الحقوقية.

5.⁠ ⁠انشر الوعي في محيطك، ولا تساهم في إعادة نشر الإعلان أو التفاعل معه حتى لا تزيد من انتشاره.

دور المؤسسات الإعلامية والحقوقية

على وسائل الإعلام والمنصات الفلسطينية أن تتعامل مع هذه الحملات كـ تهديد استخباري منظم، لا كخبر عابر.

يتوجب على غرف التحرير:

  • توثيق هذه الحملات وحفظ نسخ منها كأدلة رقمية.
  • نشر تحذيرات توعوية للمتابعين دون إعادة نشر الروابط الأصلية.
  • تدريب الصحفيين والناشطين على أمن المعلومات الشخصي والمؤسسي.
  • تنسيق الجهود مع منظمات المجتمع المدني لتوحيد خطاب الردع والوعي.

الحرب الحديثة لا تُخاض فقط بالرصاص، بل بالرسائل. والاحتلال يدرك أن السيطرة على الوعي أخطر من السيطرة على الأرض.

إن مواجهة مثل هذه الإعلانات تبدأ من الوعي، والرفض، والتبليغ، والتكاتف المجتمعي.

كل مواطن واعٍ هو «جدار حماية» أمام محاولات الاختراق الناعمة التي تستهدف ذاكرة الناس وإرادتهم قبل بياناتهم.

  ⁠في زمن الحرب، الوعي هو السلاح الأول.

فاحمِ نفسك، واحمِ مجتمعك، ولا تمنح عدوك ثغرة في شاشة هاتفك.