شبكة قدس الإخبارية

التوافق الفلسطيني… مقبرة صفقة القرن

sUyCi
محمد القيق

يعرف الاحتلال جيدا أن أسس تعزيز قوة سيطرته هو التشرذم العربي، والأهم بالنسبة له الانقسام الفلسطيني الذي يغذيه بكل الطرق حتى يتسنى له أن يحقق أهدافا مركزية آنية قصيرة الأمد وأخرى بعيدة الأمد.

*شيطنة القضية*

تعتبر إسرائيل وأمريكا أن شطب القضية الفلسطينة أحد أهم أركان مشروع الشرق الأوسط الجديد بل و"إسرائيل الكبرى" وهذا كله في إطار صفقة القرن.

وفكرة الانقسام والخلاف الفلسطيني ليست وليدة الحالة بين فتح وحماس؛ فهي استراتيجية جذرية في تعاطي الاحتلال وتشغيل أدواته في ذلك لتغذية التشتت سواء في مراحل الثورة الأولى أو مرحلة الستينيات ومعسكرات الثورة والانشقاقات في اليسار الفلسطيني وداخل حركة فتح، ولاحقا الذهاب لأوسلو 1993 الذي نتج عنه انقسامات حادة في داخل منظمة التحرير وصولا إلى انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 التي فازت فيها حماس بأغلبية ساحقة، الأمر الذي عارضته أمريكا وإسرائيل وصعدت حملة التضييق على الفلسطينيين وتهديد الدول بعدم التعاطي مع حكومة ومجلس الشعب المنتخب، بل وصل الحد لقطع الأموال وفرض حصار جعل الحالة تزداد سوءا.

هذا يتناقض كليا مع نظرية الاستقرار التي يدعي الأمريكي أنه ينادي بها، ما يعني أن فكرة الاستقرار وصوت الشعب مرفوضة جدا في عقلية الاستعمار الذي يسعى ضمن "فرق تسد" إلى هدر طاقات الشعب وإشغالهم في داخلهم على حساب مشروع التحرر.

رفضت حركة فتح الانخراط في حكومة توافق دعت لها حماس لتقوية الموقف الفلسطيني، بل وبدأت الاشتباكات الميدانية والتراشق الإعلامي وعدد من الدول العربية قررت الانصياع للترهيب الأمريكي ضد الفلسطينيين، وباتت الحالة معقدة ليحصل الأمريكي والإسرائيلي على المرحلة الثانية من استراتيجية التشتيت لصالح مشروعهم.

المرحلة الأولى كانت بعزل أهل الداخل المحتل عام 1948 من خلال اتفاق اوسلو الذي اعتبرهم يعيشون في أرض إسرائيلية، وبالتالي نجحت فكرة التفكيك الثوري والثقافي والمجتمعي التي تقود لمشروع توسعي استيطاني بعد تثبيت الكيان كحقيقة يجب التعاطي معها.

بعد ذلك تخلصت إسرائيل من الشهيد الراحل ياسر عرفات لأنه طالب بتطبيق القانون الدولي وبالتزامات اوسلو التي تعطي الفلسطينيين دولة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وقرروا أن يتخلصوا منه ويخلطوا الأوراق حتى لا يصبح كابوسهم حقيقة ويحصل الفلسطيني على دولته.

في العام 2006 و2007 جدد الإسرائيلي كل أدواته لزرع الانقسام وتشتيت الحركات الثورية الفلسطينية حتى تصبح مسافة الوصول للدولة بعيدة أو شبه مستحيلة، وبالفعل نجح في ذلك، فباتت الضفة الغربية تقودها سلطة أمر واقع تديرها فتح وبات قطاع غزة تحت سلطة أمر واقع تقودها حماس، وباتت القدس معزولة كليا بجدار عنصري وبقرارات تمنع أي تحرك فلسطيني فيها، ولكن هل اكتفى الإسرائيلي بذلك؟!

*وقعت الواقعة ..*

انقسمت الضفة الغربية وغزة جغرافيا سابقا وسياسيا عام 2007 وبات كل حزب بما لديه يحكم، فكانت علامات الضعف على القضية الفلسطينية تزداد وتتراكم لصالح النظرية الإسرائيلية التي بُنيت على عدة مسارات:

* تعميق الانقسام بحيث التعاطي مع المشهد على أنه سلطتي إدارة للمنطقتين وابتزاز الكل لصالح الفكرة الإسرائيلية وعدم نفي الآخر حتى تبقى ورقة التوازن والابتزاز قائمة في عقلية الإسرائيلي، واستخدم دورا لدول عربية تدعم طرفا على حساب طرف والعكس، وفي نفس الوقت تمنع الوحدة الوطنية أو المصالحة سواء بأدوات داخلية أو إقليمية، ناهيك عن تحكمها بالاقتصاد والمال والموارد الطبيعية والحدود ما جعل الفجوة كبيرة بين التحرير والتوافق من جهة وبين الانقسام والمنافسة من جهة أخرى.

* ⁠العمل على التطبيع المتسارع مع الدول العربية والإسلامية والمبرر الدائم أن انقساما فلسطينيا يمنع إعطاء دولة مستقلة لهم ولذلك وجب التطبيع وتجاوز الفلسطينيين، وهذا وتر لعبت عليه إسرائيل بكل تفاصيله.

* ⁠التطوير العسكري والتكنولوجي وتعزيز العلاقات الدولية لتظهر إسرائيل أنها قوية متطورة في غابة تخلف وصراعات داخلية لتعطي هيبة الردع والترهيب.

* ⁠دعاية إعلامية ضخمة جدا تظهر إسرائيل وجيشها بإنسانية وتراحم وأنهم من يساعد جرحى الانقسام أو يعالج الفلسطينيين في مشافيهم ويسهل المعابر، حتى أنها أطلقت حملات إعلامية تظهر رحمة وتعاونا مع السوريين في أثناء الثورة، وكثير من الملفات التي جعلت منها دولة ديمقراطية وإنسانية لتغطي على حقيقة مخطط الضم والتوسع والتدمير الذي هو في عقيدتها.

*انتهت الكذبة*

جاء يوم السابع من أكتوبر 2023 والضفة الغربية تحت نار المستوطنين والجيش والمصادرة والضم، والقدس مهودة ومحاصرة بجدار، وغزة مخنوقة بحروب وتدمير كل فترة وحصار.

جاءت العملية المركزية على وقع صفقة القرن التي صاغها الرئيس الأمريكي في ولايته الأولى 2018 لتكون توسعا لإسرائيل، والقدس عاصمتها الموحدة الأبدية، والجولان أرضا خالصة لإسرائيل، والضفة الغربية في خطة ضم لتكون يهودا والسامرة، واتفاقيات أبراهام التي تتجاوز وجود فلسطين لتكون وصفة الانقسام احترافية في تبرير شطب القضية بل وتحويل حركات التحرر إلى إدارات ذاتية يتم إشغالها كل يوم بمشكلة حياتية لتشتيت فكرة فلسطين.

جاء طوفان الأقصى ماسحا حقبة سوداء من تاريخ الحركات والعلاقات الداخلية الفلسطينية ليعيد توجيه المشهد ونسف رواية وجهد إسرائيل على مدار عقود، لتصبح سلطة الأمر الواقع منزوعة الصلاحية والسيادة خلف ظهور الفلسطينيين ويصبح تفكير الكل عن يوم التحرير واليوم التالي بوحدة ومشروع يواجه المخطط القديم الجديد الكبير.

*مقدسة*

 لذلك باتت المصالحة الفلسطينية والتوافق الفلسطيني مهمة إجبارية مقدسة وجب السعي إليها لما فيها وما لها من معادلات:

* الوحدة الوطنية هي نسف لتبرير إسرائيل الدائم أن الفلسطيني منقسم ولا يمكن أن يقود دولة أو يحصل عليها، وبالتالي بالوحدة يمكن فورا استغلال موجة وطوفان الاعتراف بفلسطين مؤخرا وبناء موقف فلسطيني يعطي أرضية قوية للدول للمضي قدما في تنفيذ وعودها وهذا سيكون صفعة لإسرائيل.

* ⁠الوحدة تعني مباشرة أن الفلسطيني لم يندثر ولم يروض لقبول حياة تحت الاحتلال بل ويفضح إسرائيل وجريمتها وكذبتها التاريخية التي دائما تظهر للعالم أن جهة فقط في فلسطين إرهابية تريد القضاء عليها والباقي يريد العيش تحت الاحتلال، وهذا ما فعلوه حينما قتلوا ياسر عرفات وهاجموا غزة، لذلك الآن بالوحدة يقول الفلسطيني إنها ثورة ممتدة تسند حقا رسمه القانون الدولي، وهذا يعتبر هزيمة جديدة لنتنياهو بعد أن هزم في غزة.

* ⁠الوحدة هي المعنى المباشر لإلغاء صفقة القرن والتوسع وخطة الضم، وهي التي تسلب نتنياهو التبريرات وتقطع الطريق على دول عربية فتحت بابا خلفيا مع إسرائيل بحجة الانقسام.

هي مرحلة حساسة للفلسطينيين يستطيعون فيها أن يستثمروا نحو التحرر والسيادة وبناء الدولة بوحدتهم دون فيتو من هنا أو هناك، والوقت ينفد أمامهم، ولأن إسرائيل تدبر وتخطط ليلا ونهارا من أجل هدف استراتيجي؛ يبقى الجهد على عاتق المسؤولية التاريخية لقيادة الفصائل التي بتوافقها تتوج مرحلة مفصلية في عمر الصراع الذي كاد أن يمسحه الإسرائيلي من ذاكرة العالم ويحوله إلى منصة تواصل وتقوية وتوسع، فهل سيعطون نتنياهو طوق نجاة بعد هزيمته بتشرذمهم؟ أم سيسددون له ضربة جديدة بوحدتهم التي ستكون رصاصة قاتلة للأبد لصفقة القرن؟