متابعة قدس: منذ عودة “قضية سديه تيمان” إلى واجهة الأحداث لدى الاحتلال على خلفية الكشف عن مشاركة المدعية العسكرية العامة للاحتلال يِفعات تومر يروشالمي في تسريب مقطع يوثّق تعذيب أسير فلسطيني، عاود وزراء بارزون في حكومة الاحتلال في مقدّمتهم إسرائيل كاتس وبتسلئيل سموتريتش تكرار رواية مفادها أن الفيديو “مفبرك” ويشكّل “شيطنة جماعية” لجنود الاحتياط من وحدة “قوة 100” الذين كانوا يحرسون القاعدة.
لكن الحقيقة، كما تؤكد صحيفة يديعوت أحرونوت، هي أنّ المدعية العسكرية، التي تواجه اليوم شبهات خطيرة بينها تقديم إفادة كاذبة للمحكمة العليا وتزوير عملي لمسار التحقيق، لم تُتهم في أي مرحلة بفبركة المقطع.
وفقًا للصحيفة، قررت المدعية العسكرية العامة للاحتلال نشر جزء من مواد التحقيق للإعلام بعد أن وُجهت إليها وإلى النيابة العسكرية اتهامات بأنها “تحمي الأسرى الفلسطينيين” وتشوه سمعة الجنود. أرادت من خلال النشر إثبات أن الشبهات ضد عناصر “قوة 100” موثقة ومبنية على أدلة، بما في ذلك تقرير طبي من الطبيب الذي عالج الأسير، ما اضطر النيابة إلى فتح تحقيق رسمي.
وكلفت يروشالمي ضابطة في النيابة بتسليم المواد إلى الصحفي غاي بليغ من قناة “كان”، وحددت نوعية المقاطع المطلوبة. إلا أن الضابطة أرسلت بالخطأ مقطعين من حادثين مختلفين، ما جعل التقرير التلفزيوني يبدو كأنه تسلسل واحد. ورغم هذا الخلل، لم يُعرض أي مشهد مزيف؛ بل جُمعت لقطات حقيقية من يومين مختلفين، أظهر أحدها عمليات تفتيش نظامية، والآخر تعذيبًا موثّقًا بحق الأسير الفلسطيني.
التحقيقات أظهرت أن ما بُثّ من لقطات لا يتجاوز ثوانٍ معدودة من عملية استمرت أكثر من 15 دقيقة، صُوّرت بكاميرتَي مراقبة على الأقل، وعُرضت لاحقًا بشكل أوسع في برنامج “زمن الحقيقة” على قناة “كان”، حيث ظهر تفتيش عنيف وطويل للأسير، شمل إنزاله بنطاله وتعرضه لنزيف دموي واضح.
تفيد المعلومات بأن اثنين من جنود الاحتياط كبّلوا الأسير إلى الحائط ورفعوا يديه، ثم سقط أرضًا بينما استمر الاعتداء عليه ركلًا وضربًا ودفعًا، بل واستُخدم ضده مسدس صعق كهربائي في أنحاء جسده ورأسه. أحد الجنود طعنه في مؤخرة جسده بأداة حادة سببت تمزقًا في جدار المستقيم، ثم أُجبر على إدخال هراوة في فمه. صرخ الأسير من الألم طوال الوقت، ونُقل لاحقًا لتلقي علاج طبي بعد ملاحظات عن نزيف حاد وصعوبة في التنفس.
أُصيب الأسير بسبعة كسور في أضلاعه، وثقب في الرئة، وتمزق في المستقيم، وخضع لعملية جراحية لتركيب فتحة في جدار البطن وتثبيت أنبوب صدر وتلقي وحدات دم. وبعد نحو ثلاثة أشهر خضع لعملية ثانية لإغلاق الفتحة. المشاركون في الجريمة خمسة جنود احتياط، بينهم ضابطان برتب رائد ونقيب. أما الشبهة بارتكاب اعتداء جنسي فاستُبعدت لعدم إمكانية الجزم بحدوث اختراق فعلي.
وليست هذه المرة الأولى التي يروّج فيها وزراء الاحتلال لمعلومات مضللة حول القضية؛ فقد زعم سموتريتش أن المحققين تواصلوا مع أسرى النخبة، وهو ما نفته جهات التحقيق. فالذين أُطلق سراحهم من القاعدة ليسوا من مقاتلي “النُخبة”، بل معتقلون مدنيون صُنّفوا غير خطرين أمنيًا.
وكان تسريب الفيديو قد ألحق ضررًا بصورة “إسرائيل” الدولية، لكنه على الأرجح كان سيُنشر لاحقًا في إطار الإجراءات القضائية. خطورة ما قامت به المدعية العسكرية، بحسب شرطة الاحتلال، تكمن في التلاعب بالتحقيق وتقديم إفادات كاذبة للمحكمة وللقيادة العسكرية. أما النيابة العسكرية فتقول في دفاعها إنّ التحقيقات تهدف إلى حماية صورة “إسرائيل” كدولة قانون، ولمنع ملاحقات جنائية دولية بحق جنودها عبر إثبات أن النظام القضائي المحلي قادر على محاسبة مرتكبي الانتهاكات بنفسه.



