شبكة قدس الإخبارية

دولة الاحتلال لا تزال تتلاعب بالوسطاء

iuooC
طلال عوكل

بينما تزداد المؤشّرات، على فرض الوصاية الأميركية على دولة الاحتلال وتتصاعد اعترافات عديد رؤساء الأحزاب،  والصحافيين بشأن فقد الحكومة قدرتها على اتخاذ القرارات، بشأن ما يجري في المنطقة وليس فقط في قطاع غزّة، يستمر بنيامين نتنياهو المطلوب لـ»الجنائية الدولية» في الحديث عن شراكة مع الولايات المتحدة الأميركية، وزملاؤه في «الائتلاف الفاشي»، يتحدثون عن سيادة واستقلال.

نتنياهو الذي تحدث عن طبيعة العلاقة باعتبارها شراكة يعترف هو الآخر، حين يقول إنه يبلغ الأميركيين ويحصل على الموافقة قبل أن يأمر جيشه بقصف القطاع.

على أن الإقرار بهذه الحقيقة أو نفيها، لا يعدم نتنياهو الوسيلة للتملّص، وتعطيل الخطة الأميركية، أو تأخير انتقالها إلى المرحلة الثانية أكثر من ذريعة يوظّفها نتنياهو، لفعل ذلك والإصرار على مواصلة ما يقول إنه النصر الكامل، سواء ما يتعلّق باستعادة الجثث أو رفع «الفيتو» عن مشاركة أي طرف، يعترف بالدولة الفلسطينية في القوّة التي يفترض انتشارها في القطاع، ولا تزال تواجه صعوبات كبيرة.

نتنياهو قال إنه يعرف بالضبط أماكن وجود الجثث، فإن كان الأمر كذلك، فلماذا إذاً لا يعطي الإحداثيات، للجهات التي تبحث عنها، خصوصاً الفريق المصري  الذي دخل غزّة لهذا الغرض؟

منذ دخول «الخطّة» حيّز التنفيذ، قبل نحو أسبوعين، لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع، حيث ارتقى خلال ذلك أكثر من 200 شهيد عدا عن مئات الجرحى.

ويتباهى نتنياهو بأنه قصف غزّة بـ 150 طناً من المتفجّرات، ردّاً على عملية عسكرية في رفح، استهدفت جيشه، وأنكرت المقاومة علاقتها أو معرفتها بالأمر.

وفي المرّة الثانية، أول من أمس، قامت قوات الاحتلال بقصف مكثّف بالمدفعية والمسيّرات، والطيران الحربي، مدن خان يونس وغزّة والنصيرات، وأوقعت عشرات الشهداء، وذلك رداً على ما تزعم أنه عملية لم تؤدّ إلى وقوع إصابات في جيش الاحتلال.

منطقياً، لا يمكن أن تكذب المقاومة حين تعلن أنها لم تبادر إلى خرق الاتفاق، بما أنها صاحبة مصلحة حقيقية في تنفيذ الخطّة والانتقال إلى المرحلة الثانية، بينما يتضح أن دولة الاحتلال هي من تبادر إلى خرق الاتفاق، وتأخير الانتقال إلى المرحلة الثانية، وأنها تختلق الذرائع، من يدري ما إذا كانت العمليات المزعومة ضد الجيش، هي من فعل منسّق مع جماعات تديرها دولة الاحتلال، وتقع تحت سيطرتها، وحمايتها؟

التصعيد في غزّة، يتزامن مع تصعيد خطير ومتواصل في الضفة الغربية.. أول أمس فقط، سقط ثلاثة شهداء، في شمال الضفة عدا عن المصابين، واستمرار حملات الاعتقال.

الميليشيات الاستيطانية الإجرامية في حالة هياج، حيث لا تتوقّف اعتداءاتها على قاطفي الزيتون، والفلّاحين، وذلك تحت حماية ورعاية ودعم جيش الاحتلال، الذي يواصل اقتحاماته للمدن والقرى الفلسطينية ويقوم بالتنكيل بالمواطنين المدنيين.

في هذا السياق لا يمكن غضّ النظر عن تهديدات التوأم سموتريتش وبن غفير، لإعادة اعتقال الأسرى المحرّرين بموجب «الخطّة» التي تم تنفيذ مرحلتها الأولى. كما لا يمكن غضّ النظر، أيضاً، عن محاولات هذا التوأم لإقرار مشروع بإعدام الأسرى الفلسطينيين.

وفي السياق ذاته، أيضاً، تتصاعد الاعتداءات على لبنان ولا تتوقّف عند جنوبه فقط، وإنّما تطال مناطق أخرى، بذرائع مختلفة، مرّة باستهداف عنصر، أو قيادي من «حزب الله» اللبناني، ومرّة باستهداف مخازن أسلحة، ومرّات معامل إسمنت وآليات، في إشارة إلى أنها ستمنع البدء بإعادة الإعمار أو عودة اللبنانيين إلى قراهم في الجنوب.

جرح لبنان لا يزال مفتوحاً على احتمالات التصعيد، إذ تتعمّد دولة الاحتلال استفزاز الحزب، لمواصلة الحرب، أو إغراق لبنان في حرب أهلية، على خلفية الضغوط الخارجية المكثفة لنزع سلاح الحزب.

وبينما من المفروض أن أميركا هي الضامن الأساسي بالإضافة إلى الموقّعين على «الخطّة» في شرم الشيخ، فإن اللجنة الخماسية المفروض أنها تشرف على وقف إطلاق النار في لبنان، لا تفعل شيئاً، ولا تشكل أي ضمانة.

وفي الحالتين فإن المقاومة في غزّة ولبنان تعض على النواجذ، وتمتنع عن تقديم أي ذريعة. غير أن سلوك المقاومة في الحالتين لا يحرّك الضامنين أو المشرفين، ولا يمنع دولة الاحتلال من القيام بما تقوم به وتسعى إليه.

في كل الحالات، فإن الإدارة الأميركية هي التي تتحمّل المسؤولية وهي صاحبة القرار، فهي تسعى لتطبيق نموذج واحد في أكثر من بلد عربي. الإدارة الأميركية بعد أن حيّدت جماعة «أنصار الله» «الحوثيّين» اليمنية، خصوصاً بعد توقيع الخطّة وتوقّف الحرب، تمارس ضغوطاً هائلة على الدولة اللبنانية لنزع سلاح الحزب، والدخول في مفاوضات مباشرة مع دولة الاحتلال قبل أن تقدم للبنان أي مساعدة.

الإدارة الأميركية تريد من لبنان الاستسلام، والتسليم بالأهداف الإسرائيلية، التي في أقلّ النتائج تريد أن تخلق وتوسّع «الحزام الأمني» في الجنوب، والاستيلاء على أمن البلاد، واستباحتها، وفي العراق، أيضاً، بدأت الإدارة الأميركية ممارسة ضغط فعّال على حكومة محمد شياع السوداني، من أجل نزع سلاح «الحشد الشعبي»، وفصائل المقاومة التي تزعم أنها موالية لإيران.

في غزّة الأمر بات واضحاً، لكنه مؤجّل إلى حين تشكيل ووصول القوة الدولية. عن القوّة الدولية، ثمّة خلاف بين الأردن ومصر، بالإضافة إلى دول أخرى، وبين الدولة العبرية بشأن تشكيل وصلاحيات القوّة، وما إذا كانت قوّة حفظ سلام أم فرض سلام، وهو ما عبّر عنه ملك الأردن علناً أمام البرلمان.

في هذه الحالة من المنتظر أن تفعّل الدول العربية والإسلامية دورها أكثر في الضغط على الإدارة الأميركية، لكي تضغط بدورها على دولة الاحتلال قبل أن تنفلت الأمور في الضفة الغربية، أو لبنان، أو حتى في قطاع غزّة.