خاص - شبكة قُدس: يكرر قادة وجنرالات لدى الاحتلال تأكيدهم على أن حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وعلى رأسها حركة حماس، قد أعدت نفسها لحرب استنزاف طويلة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي قادرة على الاستمرار في إيلامه. في أغسطس الماضي وجه الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يتسحاق بريك تحذيرا بأن حرب الاستنزاف ستؤدي لهزيمة "إسرائيل" لا حماس، وشدد على أن الحركة قادرة على إدارة مثل هذه الحرب. وتناول تقرير لصحيفة واشنطن بوست في أكتوبر الماضي هذه القضية، وجاء فيه أن حماس لديها القدرة على الاستمرار في استهداف جيش الاحتلال داخل قطاع غزة لفترة طويلة.
تعتمد هذه التحليلات على معطيات وسياق تاريخي لتشكل القوة العسكرية لحركة حماس، والتي اعتمدت بالأساس على تشكيل الثقافة العسكرية ثم بناء الذات العسكرية المقاتلة. خلال سنوات حكمها في قطاع غزة، استثمرت الحركة في الأدوات المتاحة لها لبناء "ثقافة المقاومة" التي تعتمد في إحدى ركيزاتها - إلى جانب الشق النظري والقيمي - على بناء تجربة عسكرية أساسية لدى الفرد وعلى نطاق واسع داخل المجتمع تمكّن المجتمع بكل شرائحه من الدفاع عن ذاته في أوقات الحرب. هذه ميزة مهمة لدى حركات التحرر من الاحتلال، وقد ساهمت عدة عوامل في قطاع غزة على تحقيقها من قبل حماس.
كان أحد مظاهر بناء الذات العسكرية المقاتلة في قطاع غزة؛ المخيمات الصيفية التي كانت تستقطب الناشئين وتدمجهم في دورات قتالية. يتعلم الناشئ في هذه المخيمات أساسيات العمل العسكري والأمني، مثل استخدام السلاح وتصنيع العبوات الناسفة وغيرها من أساليب قتال حرب العصابات. على مدار سنوات، تمكنت حركة حماس وحركات المقاومة في قطاع غزة من إنتاج جيل ناشئ لديه القدرة على خوض التجربة الكفاحية.
كانت هذه المخيمات تستنفر الماكينة الإعلامية الإسرائيلية التي تحاول اتهام المقاومة في "استغلال" الأطفال في الأعمال القتالية، ومن المؤسف أنها الدعاية التي تروّج لها السلطة الفلسطينية اليوم فيما يتعلق بمخيم جنين، بينما كان الهدف الحقيقي لتلك الدعاية هو إنهاء هذه الظاهرة التي تخلق مستقبلا مليئا بالمقاتلين أو القادرين على القتال. اليوم، ومع استمرار المقاومة وتصاعدها في قطاع غزة رغم العمليات العسكرية الإسرائيلية التي لا تتوقف، بدأت التقارير الإسرائيلية تشير أحيانا إلى قدرة المقاومة على تجنيد مقاتلين جدد مدربين ومن أعمار متفاوتة. وبينما تشير ذات المصادر العبرية إلى تآكل الدافعية لدى الجنود لمواصلة القتال، تجدد المقاومة كادرها البشري بحيوية عالية.
المظهر الآخر لـ "بناء الذات العسكرية"، هو قدرة المقاومين على التعامل مع مختلف الإمكانيات وتوظيفها في قتالهم اليومي ضد الاحتلال. اعترفت مصادر في جيش الاحتلال اليوم الخميس، 9 يناير، أن العبوة الناسفة التي قتلت 3 من جنوده في شمال قطاع غزة يوم أمس، تم تصنيعها من بقايا مخلفاته. يضاف هذا التقرير إلى عدة تقارير سابقة عن استخدام المقاومة لطائرات مسيرة أطلقها الاحتلال وأسقطها المقاومون وأعادوا استخدامها، أو قذائف حولوها إلى عبوات شديدة الانفجار. هذه ظاهرة مقلقة بالنسبة للاحتلال، لأنها تعني قدرة المقاومة على الاستمرار من خلال الثقافة العسكرية لأفرادها والتي من المفترض أنها منتشرة على نطاق واسع وتقوم المقاومة بتعميمها.
وبعيدا عن سياق غزة قليلا، إن بناء الذات العسكرية هي إحدى المظاهر التي لطالما حاول الاحتلال منعها في الضفة الغربية، مستعينا بالثقافة التي تعممها وتكرسها وترسخها السلطة الفلسطينية. وبينما كان الواقع مختلفا في قطاع غزة في ظل حكم حماس، فإن المحاولات المستميتة للاحتلال والسلطة لتطويق حالة المقاومة في شمال الضفة الغربية أحد أهم أهدافها منع تراكم وتعميم التجربة العسكرية خاصة بعد انتشار ظاهرة تصنيع العبوات واستخدامها ضد قوات الاحتلال وانخراط ناشئين في هذه الحالة.