جنين - خاص قدس الإخبارية: في الوقت الذي تتصاعد فيه دعوات المؤسسات الحقوقية والفصائل الإسلامية والوطنية والمجتمعية بضرورة إيجاد حل لما يحدث في مخيم جنين من حصار واشتباكات أسفرت عن قتل أجهزة أمن السلطة 6 فلسطينيين بينهم صحفية وطفلين ومقاوم، بالإضافة إلى مقتل 5 من عناصر الأجهزة، كشفت مصادر فلسطينية مطلعة عن إصرار رئيس السلطة محمود عباس على مواصلة العملية العسكرية في المخيم مهما كانت التكلفة، سواء بالنسبة لأهالي المخيم أو المقاومين أو حتى أفراد أجهزة أمن السلطة.
وأكدت المصادر لـ "شبكة قدس"، أن القرار النهائي بشأن العملية العسكرية في جنين يعود لعباس، الذي رفض جميع المبادرات والحلول التي قُدمت من عدة أطراف من أجل وقف العمليات العسكرية في المخيم.
وأوضحت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لموقع "شبكة قدس" أن جميع المبادرات التي تقدمت بها أطراف فلسطينية ومجتمعية جوبهت بالرفض من عباس، الذي تمسك بحل عسكري كخيار وحيد.
وفقًا للمصادر، أرسل ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح رسالة إلى عباس، يطالبون فيها بوقف الحملة العسكرية في جنين وفتح باب الحوار للخروج من الأزمة التي تثير الغضب في الشارع الفلسطيني. إلا أن عباس رد قائلاً إن الحل العسكري هو الخيار الوحيد بالنسبة له.
وأشارت المصادر إلى أن بعض الدول وفصائل فلسطينية ومؤسسات حقوقية طرحت عدة حلول للخروج من الأزمة، لكن عباس رفض حتى فكرة الحوار مع المقاومين في المخيم، وأصر على استكمال العملية العسكرية.
في هذا السياق، صرح وزير الداخلية زياد هب الريح بأن "الهدف من العملية العسكرية ضد خلايا المقاومة في مخيم جنين هو ترتيب البيت الداخلي واستهداف من لا يلتزم بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير".
وحمل تصريح هب الريح إشارات واضحة لاستهداف كتائب المقاومة في المخيم، والتي تعمل بشكل منظم منذ عام 2021. ولاقت تصريحاته استنكارًا واسعًا من قبل الشعب الفلسطيني والفصائل، بما في ذلك تلك المنخرطة في منظمة التحرير.
في المقابل، أكدت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أن سلاح المقاومة في المخيم موجه فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي. وأضافت الكتيبة في تصريحات عدة: "نحن صامدون في أرض المخيم، ولن نحيد عن خيار المقاومة حتى وإن كلفنا ذلك حياتنا"، مشيرة إلى أن أجهزة أمن السلطة تحاصر المخيم من جميع الجهات، وتستخدم أسلحة جديدة مثل قذائف "آر بي جي" بتغطية إسرائيلية، بالإضافة إلى استهداف المنازل عشوائيًا واحتلال أسطح المباني المحيطة.
كما يشار إلى أن السلطة رفضت مبادرة الوفاق التي طرحتها الفصائل والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية، بالإضافة إلى مبادرة العشائر الفلسطينية، وذلك بسبب تأكيد المبادرتين على حق المقاومة كجزء لا يتجزأ من الحق الفلسطيني الذي يكفله القانون الأساسي.
وفي هذا السياق، تركز المنظومة الإعلامية للسلطة على ضرورة إنهاء حالة المقاومة في جنين تحت ذريعة تجنيب الضفة الغربية حربًا مشابهة لما يجري في قطاع غزة. ويتم ذلك من خلال خطاب إعلامي موجه عبر الناطقين باسم حركة فتح وأشخاص محسوبين على المؤسسة الأمنية.
سبق أن اتبعت أجهزة أمن السلطة سياسة مماثلة مع "عرين الأسود" في نابلس، حيث اعتقلت العشرات من أفراده، من بينهم مصعب اشتية، أحد قادة العرين، الذي لا يزال معتقلًا في سجون السلطة. كما تم تنفيذ عمليات ترهيب وترغيب مقابل إغراءات مالية في محاولة لتفكيك حالة المقاومة التي تشكلت بعد عدة لقاءات في شرم الشيخ بمصر قبل عامين ونصف.
قبل يومين، استشهدت الصحفية شذى صباغ بعد إصابتها برصاص أجهزة أمن السلطة في مخيم جنين، وفقًا لعائلتها، لتنضم إلى قائمة الشهداء الذين ارتقوا برصاص السلطة خلال العمليات المستمرة في المخيم، والذين بلغ عددهم حتى الآن 6 شهداء.
في هذا السياق، أصدر مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية بيانًا حذر فيه من استمرار الحالة الأمنية في المخيم، مشيرًا إلى أن الحملة الأمنية للسلطة في جنين "تنذر بكارثة محققة تضاف إلى كوارث شعبنا المتواصلة". ودعا المجلس إلى فتح تحقيق جاد وحقيقي بشأن مقاطع الفيديو التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تظهر تعرض بعض المحتجزين لأعمال تعذيب وإهانة، مشددًا على ضرورة محاسبة المتورطين في هذه الأفعال، وفقًا للقانون.
كما حذر المجلس من تداعيات الأحداث المستمرة في جنين، مشيرًا إلى أن مشهد الدمار والدم أصبح مشهدًا مألوفًا للأسف، وناشد بوقف حالة القتل والإبادة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، ارتفع عدد الشهداء الذين قتلوا على يد السلطة الفلسطينية إلى 16، بينهم مقاومون وأطفال ومشاركون في مظاهرات مساندة لغزة، مثل الطفلة رزان تركمان وفراس تركمان ومحمود أبو لبن والطفل محمد عرسان وغيرهم.