"الفنان ليس له علاقة بالسياسة أتركوا الفنانين يقوموا بعملهم!“ بهذه الكلمات علق المخرج اللبناني زياد الدويري على سؤال من الجمهور حول الانتقادات الموجهة له من عدة جهات، من ضمنها حملة المقاطعة العالمية للإحتلال الإسرائيلي (BDS)، على تصوير فيلمه الأخير في تل أبيب، وحول منع الفيلم من العرض في الصالات اللبنانية.
الإفتتاحية الأمريكية لعرض الفيلم كانت في الحادي والعشرين من حزيران الماضي بـحضور المخرج في قاعة ”الأنجيليكا“ في مانهاتن/نيويورك. وتخصص دار العرض يومياً للفيلم أربعة عروض. كما سيعرض الفيلم ضمن المهرجان الإسرائيلي ”مهرجان القدس السينمائي“ الذي يحتفل هذا العام بثلاثين سنة على تأسيسه ويبدأ فعالياته اليوم.
رواية ”الهجوم“
فيلم ”الصدمة“ مستوحى عن رواية "الهجوم" للجزائري ياسمينة خضرا، الاسم الفنّي لمحمد مولسهول، الضابط الجزائري السابق، والتي صدرت بالفرنسية عام 2005 عن دار جوليار. حصلت الرواية على رواجٍ في فرنسا حيث بيعت مئات الآلاف من النسخ فيها. بالإضافة إلى ذلك، ترجمت إلى لغات عديدة، منها العبرية التي قوبلت بترحيب إسرائيلي واسع. على عكس ردود الفعل على المستويين الفلسطيني والعربي إذ رأى بعض النقاد أن صاحبها يرضي الرأي العام الغربي على حساب القضية الفلسطينية ويظهر جهلاً أو تجاهلاً للكثير من حيثيات الوضع في فلسطين.
فيلم ” الصدمة“ ومخرجه
تدور أحداث فيلم ”الصدمة“ ”The Attack“، كما الرواية، حول حياة أمين جعفري، طبيب جراح، من فلسطينيي الداخل (48) يعيش ويعمل في تل أبيب ( يؤدي دوره الممثل علي سليمان). ينهار عالمه عندما تقوم زوجته بعملية فدائية في تل أبيب، وهو في أوج نجاحه المهني وانخراطه في المجتمع الإسرائيلي، حيث حصل على أول تكريم من نوعه لعربي على مسيرته المهنية كطبيب. يقتل في العملية سبعة عشر شخصاً، أغلبهم من الأطفال. ينقلب عالم الطبيب رأساً على عقب، ويبدأ رحلة البحث عن السبب الذي جعل زوجته تترك حياة الرفاهية التي تعيشها وتقوم بالعملية، ليجد جذور الخلية في نابلس وجنين.
الجدل الذي أثاره الفيلم بسبب تصويره في تل أبيب
من أهم الإشكاليات التي أثيرت حول الفيلم هو قيام الدويري بتصويره في تل أبيب. وهو تحدى بذلك القانون اللبناني الصادر عام 1954، والذي يقضي بمنع اللبنانيين من التعامل مع "إسرائيل" كدولة إحتلال وعدو. إضافة إلى تحديه لحملة المقاطعة العالمية للإحتلال الإسرائيلي. قال الدويري في النقاش الذي دار في نيويورك ”إن تصوير الفيلم خارج تل أبيب كان سيفقده مصداقيته، فمن الطبيعي تصوير الفيلم في بيئته، حتى لو شكل ذلك خرقاً للقانون اللبناني.“ في المقابل لم ير الدويري أي إشكالية في الشخصية الرئيسية سهام، حينما أدتها الإسرائيلية ريموند امسالم والتي تحدثت العربية طوال الفيلم بلكنة إسرائيلية واضحة، تشوّش على المشاهد الفلسطيني والعربي عامة، حيث تجعل تصديق الشخصية صعباً! السبب وراء هذا الأختيار كما يقول الدويري يعود لعدم وجود ممثلة فلسطينية تقبل بأن تؤدي الدور بسبب بعض مشاهد العري التي يتطلبها!
كما ذكر المخرج أن الجزء الأكبر من تمويل الفيلم من قطر ومصر إلا أن الممولين طلبا سحب اسمهما بعد مشاهدة الفيلم لاعتراضات على فحواه. ومن المثير أن يركّز الدويري في النقاش الذي دار مع الجمهور الأمريكي في نيويورك على المقاطعة والمنع العربي للفيلم في مقابل سماح إسرائيل بعرضه، دون أن يذكر أن الفيلم كان قد حصل على الجائزة الذهبية في مهرجان مراكش في دورته الأخيرة.
إشكاليات الفيلم
على الرغم من أن الفيلم يحاول تخطي بعض مطبات الرواية، وأبرزها خلطها بين إرهاب بعض الجماعات الإسلامية وبين الكفاح الفلسطيني المسلح ضد الإحتلال، إلا أنه لا يبتعد كثيراً عن الرواية ويقع في ذات الفخاخ. كما يؤخذ على الفيلم معرفته المحدودة بالبيئة التي تدور أحداث الفيلم فيها. الشخصيات، كما الرواية، مبنية على الصور النمطية، وهذا لا ينطبق فقط على الوضع الفلسطيني، بل حتى على المجتمع الإسرائيلي. ومن بينها، مثلاً:
في حوار يدور بين بطل الفيلم أمين وصديقة إسرائيلية له تدعمه على طول الخط، حتى بعدما تتأكد أن زوجته هي التي قامت بالعملية الفدائية، تطلب منه، وبعد عودته من نابلس وجنين، أن يدلي بالمعلومات التي لديه حول الخلية للشرطة والإستخبارات الإسرائيلية ولكنه يرفض. وبناء عليه تتهمه بأنه لا يستحق الثقة التي قدمها الإسرائيليون له. المثير في هذا المشهد أن المخرج ،كما الرواية، يتعامل مع فلسطينيي الداخل كأنهم مهاجرون أجانب في إحدى الدول الغربية وعليهم أن يثبتوا انتمائهم لتلك الدولة وليس كسكان أصليين.
فيما يتعلق بأنماط الإسرائيليين التي يقدمها لنا الفيلم فهي تكرر الصور النمطية عن اليهود الشرقيين. فالمحقق الجاف العنيف هو يهودي شرقي، أما الأطباء والزملاء الإنسانيون فهم يهود اشكناز. وبهذا يتبنّى الفيلم الخطاب الأشكنازي المهيمن لدى المؤسسة الإسرائيلية الرسمية.
في ”رحلة“ أمين من تل أبيب إلى نابلس وجنين لا نرى أي أثر للمستوطنات والحواجز والاحتلال والفقر. لا نرى حتى حاجزاً واحداً في الطريق الذي يقطعه أمين. في المقابل، تبدو الضفة الغربية المحتلة، كمكان فيه فقط مراع خضراء وبساتين وحقول زيتون وشوارع واسعة. لكن الشوارع الواسعة والجميلة التي يمر بها أمين، داخل الضفة في طريقة إلى نابلس، ما هي إلا شوارع ممنوعة على الفلسطينيين، بموجب قانون الفصل العنصري ومسموح فقط للمستوطنين والأجانب، وحاملي الجوازات الإسرائيلية المرور بها. وهو ما لا يوضحه أو يشير له الفيلم بأي طريقة. الاستثناء الوحيد هو في مشهد قصير بدا كأنه حشر على عجل في الفيلم. حيث يوقف جنود جيش الاحتلال شاباً ُفلسطينياً عند محطة بنزين وينتهي المشهد بسرعة لنجد أنفسنا في نابلس.
لا نرى من مخيم جنين إلا بعض الحطام. في المقابل يحتكر المشاعر والمعاناة الجانب الإسرائيلي. عندما نتعرف على الإسرائيليين ندخل في بيوتهم ونرى تفاصيل حياتهم وألمهم ونرى مراراً وتكراراً صور الأطفال الصغار في المطعم الذين راحوا ضحية التفجير، ولا نرى أياً من هذا عن الفلسطينيين.
يظهر الفيلم الفلسطيني إما كارهاً للإسرائيلين أو منبطحاً عديم الشخصية. فالناس في الضفة الغربية المحتلة، مسيحيون ومسلمون، مهووسون بكرههم لأمين وكل ما يمثله من ”تقدم“ و“حضارة“ قادمة من تل أبيب. فالفلسطيني الإنساني، الذي لا يفهم كيف استطاعت زوجته أن تقتل نفسها وتقتل أطفالاًّ تواجدوا في المطعم، هو بالنهاية ”تل أبيبي“ بإنسانيته في رواية الفلم.
فشل الدويري في أن يقدم أبسط ما يمكن أن يقدمه أي فيلم يريد أن يتناول موضوعاً شائكاً كموضوع فلسطين الذي يحتاج إلى بعض العمق والتأني والحساسية الفنية والمعرفة. سقط الفيلم في فخ التسطيح وإعادة إنتاج الرواية الصهيونية، التي يمكن أن تجعل الطريق إلى شباك التذاكر الغربي أقل وعورة.
*نقلاً عن موقع "جدلية".