قدم وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي (يائير لبيد) خطة لتحسين الظروف المعيشية في قطاع غزة مقابل التزام حركة حماس وبقية فصائل المقاومة تهدئةً طويلة الأمد، عادًّا أن مطلب نزع سلاح المقاومة في غزة ليس واقعيا، وأوضح أن عنوان خطته هو "الاقتصاد مقابل الأمن"، وأنه ناقش الفكرة مع عدد من القادة في العالم منهم: نظيراه الأمريكي والروسي، إضافة إلى قيادات أوروبية وخليجية ومصرية.
هذه الخطة من المفترض أن تنفذ (على مرحلتين)؛ الأولى تتمثل في إعادة إعمار قطاع غزة وتحسين الظروف الإنسانية، والثانية في اتخاذ "خطوات اقتصادية شاملة" تضمن تغيير واقع الحياة كليًّا مع ضمان الهدوء التام في غزة، وبما يكفل تمكين السلطة الفلسطينية من استعادة إدارتها للقطاع لتسيير الشؤون المدنية والاقتصادية.
وظهرت "أبرز ملامح هذه الخطة" في: إجراء إصلاحات على أنظمة وشبكات الكهرباء، وتوصيل الغاز، وبناء محطة لتحلية المياه، وتحسين نظام الرعاية الصحية، وإعادة بناء البنية التحتية للإسكان والنقل، والسماح ببناء وتطوير مشروع الجزيرة الصناعية، وإنشاء شبكة خاصة للمواصلات بين غزة والضفة، وأخيرا تعزيز الاستثمار الدولي في غزة، على أن تشرف على هذه الخطة جهات دولية وعربية، وتضمن تمويلها وصولا لتنفيذها في قطاع غزة.
وتنظر حركة حماس وبقية فصائل المقاومة لهذه الخطة بعين الخطورة و(ترفضها جملة وتفصيلا) على اعتبار أن حقوق الشعب الفلسطيني لا تقبل المساومة، وأن أي مقترح لتقييد فعل ونشاط المقاومة سيكون مرفوضًا، وأنه لا يمكن إعطاء الاحتلال أي فرصة للهدوء، وأن قرار المقاومة انتزاع هذه الحقوق وغيرها تحت ضغط المقاومة ودون تقديم أي ثمن يمكن أن يؤدي لتحقيق أي إنجازات للاحتلال، مع قناعتها التامة بأن الخطة محاولة جديدة للالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني وخداع الرأي العام بأن الاحتلال الإسرائيلي حريص على مساعدة الفلسطينيين لكن المقاومة هي المعطل والحائل دون تحقق ذلك.
ويأتي عرض هذه الخطة في (توقيت بالغ الأهمية)، يدفع الاحتلال لتحقيق أكبر قدر من الهدوء والاستقرار في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، وذلك نتيجة أسباب ملحة وضرورية منها: الرغبة الأمريكية في وقف أي إجراءات أو عمليات يمكن أن تقود مجددا للتصعيد في غزة أو الجبهات المحيطة، المطلب العربي بضرورة خفض التوتر والتصعيد لتمكين الأنظمة من تطوير علاقاتها بالاحتلال عبر مشاريع التطبيع والتعاون السياسي والاقتصادي والأمني حتى لا يكونوا في حرج أمام شعوبهم، والهدف الإسرائيلي المركزي في تقويض المقاومة واحتوائها ومنع تعاظم قدرتها، وتغيير الوضع القائم في غزة بطرق جذرية تسمح بعودة السلطة وإنهاء حكم حماس.
لكن وعلى الرغم من موقف حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية فإننا سنشهد (احتضانًا عربيًّا وغربيًّا) لهذه الخطة، وربما يشهد القطاع زيارات مكوكية من مستويات مختلفة تهدف في مساعيها إلى: شرح تفاصيل الخطة، وإزالة المخاوف حولها، وإقناع حركة حماس وباقي الفصائل بضرورة قبولها؛ على اعتبار أنها فرصة مناسبة ولا تعوض ويمكن تسويقها على أنها نصر سياسي للمقاومة وتنازل إسرائيلي جديد بعد تراجع الاحتلال عن ربط الإعمار وتحسين الأوضاع الإنسانية بملف الجنود الأسرى، لأن هذه الأطراف معنية "بتوفير الأجواء المناسبة" لإنجاحها، وربما تتعرض الحركة لضغوط إضافية، من ضمنها التلويح بإمكانية العودة لتشديد الحصار أو الاستعداد لعدوان غير مسبوق.
وفي اعتقادي أن محاولات إقناع حماس وباقي الفصائل بهذه الخطة ستبوء بالفشل، لأن الفصائل "لن تعطي الاحتلال أي هدوء مجاني" في ظل استمرار العدوان على كل الأراضي الفلسطينية، وأن التلويح بالقوة في حال رفض الخطة لن يؤدي لانتزاع موقف سياسي من قيادة المقاومة، ولن يجد طريقه لزعزعة هذه القيادة أو تغيير مواقفها تجاه تبني أي رؤية إسرائيلية خبيثة تسعى لتقويض المقاومة وإنهائها داخل القطاع مقابل ميزات اقتصادية وإنسانية.
لذلك، فإنني أنصح الوسطاء ألّا يتأملوا كثيرا في إمكانية الحصول على موافقة لهذه الخطة، وأنهم من الممكن أن يستثمروا جهودهم بشكل مختلف من خلال "تبني رؤية وصيغة أخرى" تضمن استعادة حقوق الشعب الفلسطيني دون مساومة أو ابتزاز إسرائيلي بما يضمن إنهاء الحصار عن قطاع غزة، ووقف العدوان في الضفة، والقدس، والعمل فورًا وبجدية على وضع الآليات المناسبة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإلا فإننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة من "الوساطات التي تحرق مزيدا من الوقت" دون نتائج تذكر كما في جولات سابقة.