شبكة قدس الإخبارية

رسائل لا تصل (2)

رحمة حجة
لأجل كل الرسائل الذاهبة مع الريح.. وتعويضًا عن كل التأويلات الموجعة لعدم تلقي أيّ رد، كانت ”رسائل لا تصل“، موئلًا أسبوعيًا للباحثين عن مسافة البوح بين خطوات من الخوف والتردد. أسامحك؟ وهذه الطفلة التي تكبر أمامي دون كلمة "بابا" تنطقها قبل خطواتها الأولى، وقلبي المنكسر منذ عام ونصف، وعمري الذي يشمتُ بي، وكلمة "مطلقة" في هويتي الشخصية، كيف أتجاوز كل ذلك؟ أسامحك؟! يومها، كانت مصففة الشعر تحاول تجميلَ نحيبي وإخفاء آثار الدمع بالكحل والألوان الكاذبة، وأنت تضحكين وترددين على مسامع النسوة اللاتي أبدينَ استغرابهن بالتمتمات، "هذه دموع طبيعية.. الزواج عالم جديد ومختلف وانتقال من حياة الدلع إلى المسؤولية عن بيت وزوج و..." أسامحك؟!! كنت أشك حينها، أن الثوب الأبيض مصنوع من حرير و"دانتيل" فقط؛ فغابة من الأشواك كانت تنمو فوق مسام جلدي، وأمنيتي الوحيدة أن أتلاشى. وأنتِ كنتِ ترقصين وتتباهين بالذهب الذي أهداك إياه زوجي، وتمدين يديك داعيةً صديقاتك إلى مشاركتك فرحتك الكبرى، وتنظرين إلي بعين الواثقة أنني سأكون الأسعد بين الفتيات، حيث تزوجت الرجل الحلم.. الذي لا ينقصه سواي! أسامحك؟!؟ الحب! هذه الكلمة التي استهنتِ بها وأبي، ودستما عليها لأنكما "تعرفان مصلحتي"، وأنا ابنة الثالثة والعشرين التي اختارت في الحياة رجلًا تظنه الأفضل لها، ولم يخيب هو ظنها، وجاء إليكما لإعلان هذه الرغبة، لكن، لم يكن من مكان لي أو له، فكسرتما قلبي.. للأبد.. الحب! هذا الشيء العجيب البسيط الذي كان من الصعب تجاوزه مع زوجي.. نعم، رضيت بالأمر الواقع، وقلت "سأحبه"، ومرّ يومٌ ويومان وشهرٌ وشهران.. وعام، وأكثر.. دون أن أشعر معه بهذا "الشيء التافه" المدعو حبًا، كما تقولان. ترتيب البيت يا أمي، يحتاج الحب.. تنظيف أواني الغداء يحتاج الحب.. كيّ ملابسه إن لم يكن معجونًا بالحب لن تكتمل "الطلّة".. مشاهدة نشرات الأخبار والدراما والسينما تحتاج الحب، وإعداد قهوة المساء وإفطار الصباح ومشاركته التسوق وأفراح عائلته وأحزانها واستقبال أصدقائه وزيارة والدته وطفل مشترك بيننا.. أيضًا يحتاج الحب! أسامحك!! كنتُ أشفقُ على كلينا ولا أستطيع تجاوز تفكيري بالآخر، وتحمّل ذنب الخيانة الداخلية لمن ينام إلى جانبي كل ليلة في السرير. فكيف أنجو من عذاب الفكرة والضمير؟! قولي أنت كيف! وكان كلما اقترب أزحته عنّي كأنه الغريب، حتى اضطرّ في تلك الليلة إلى أخذ ما يريدُ "غصبًا".. لا تفغري فاهك دهشة، أو تبكي الآن... فات الأوان، ولا تُحملّيه إثم اللحظة، فإلى متى يصبر مع امرأة اختارها له، ولم تختره؟! كلانا لم يعد يحتمل.. أسامحك؟!.. ها أنا إلى جانبك، تنهشني الذاكرة ودموع طفلتي، وصراعي من أجل تجاوز المراحل، وتخطّي أوجاع قلبي، ورؤية الندم في عينيكِ يوميًا، وأنت تطلبين مني بين الزمن والآخر "الصّفح".. وأنا أقسو ولا أستطيع.. وأحاول، لكنّي..