إذا كانت "همروجة الغور" ومهرحانات السلطة الفلسطينية في أريحا باهتة وبائسة، تُثير الغثيان والشفقة، وتكشف عن جهل السلطة، ولا تستر الخطاب الأوسلوي المهزوم بقدر ما تفضحه أمام الشعب و"المجتمع الدولي"على حد سواء، وتُشَكّل دليلاً إضافيًا على وصول "طبقة السلام" إلى الدرك الأسفل. ولن تجد أسفل من هذا المشهد، نقول: إذا كانت حركات السلطة البهلوانية هذه تُمثل كل هذا وأكثر، فأين إذن دور القوى الفلسطينية الشعبية البديلة لهذه" الفزعات"؟ وأين يمكن أن نعثر على البديل الثوري الشعبي والديمقراطي ؟
ونحن نعرف مثلاً أن ما جرى في الحقيقة كان "مهرجانات" لحركة فتح بقرار وإدارة ورعاية كاملة من أجهزة السلطة. لم تكن المشاركة الشعبية فيها إلا مشاركة ديكورية وشكلانية بالكاد رمزية، إذ يجري استحضار الجمهور- أو منعه وقمعه - وفق رغبة السلطة ومصالح" مقاعد الصف الأول من أصحاب المال وحملة بطاقات الـ في آي بي “!
ولا تكترث " اسرائيل " لمثل هذه المسرحيات الفاشلة بل تعتبرها " مجرد جعجعة ومسدس فارغ بلا رصاص " كما وصفها أحد الصهاينة. فالعدوّ يناقش مشروع الضم مع نفسه في إطار كيانه وقواه الحزبيةـوآخر ما يفكر فيه هو ردة الفعل الفلسطينية الرّسمية، عداك عن ردود الفعل في الوطن العربي...فهذه صفر كبير أيضاً.
بؤس السلطة الفلسطينية وخطابها لا يقابله قوى وطنية وثورية فلسطينية ناضحة حتى الآن مستعدة أن تلتقي وتؤسس لمرحلة نضالية جديدة، فالانتقال من حالة الرفض اللفظي الشكلي إلى حالة المبادرة الشعبية لا يأتي برغبة شخصية أو حزبية بل يشترط أكثر من ذلك بكثير. وهذا تسبقه بشائر ودلائل.. يقول المثل الشعبي : لو بدها تشتي غيّمت!
إن كنس خطاب "القيادات" و"القوى" التي لا تزال تجتر "حل الدولتين" في مقدمة هذه المهام للانتقال إلى الفعل الشعبي الحقيقي.
أن تسقط الأوهام والأصنام معاً وهذا بدوره يعني احترام موقع ودور طلائع القوى الشبابية والطلابية والنسوية والنقابية من المناضلات والمناضلين.
وأن تتقدم قواعد المقاومة وأنصارها لقيادة الفعل الشعبي وتعزيز دور حاضنتها الشعبية، وهذه هي التي يجب أن تتنزع المبادرة، بالقوة وليس بالترجي أو انتظار خطابات ومؤتمرات جبريل الرجوب أو أي أحد آخر.
مُثلث الهزيمة:
إن المثلث المستسلم، علناً، المُتمثّل في نهج (كامب ديفيد - وادي عربة - أوسلو) جزء طبيعي من المعسكر الأمريكي الصهيونيّ الرّجعيّ، في المنطقة، وأداة في مشروع التصفية الذي يتجاوز سياسة الضم والنهب في الضفة.
ويلعب هذا المثلث دورًا خطيرًا ومركزيًا في خدمة معسكر (أمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا، وأوروبا ، والسعودية، ومشيخات الإمارات النفطية).
وعليه، يجب ألا نتوقع مثلاً مواقف مِصرية رسميّة مُشرّفة، أكثر مما نراه اليوم، فالنظام في مصر لا يُعَبّر عن ضمير الشعب المصري ولا يُمَثل قواه الوطنية الحقيقية.
ولا يمكن أن يكون النظام المصري ضد سياسات النهب والضم الصهيونية في الضفة، وفي الوقت ذاته، يشارك في جريمة الحصار على شعبنا في قطاع غزّة، ويقوم على خدمة المصالح الأمنية الصهيونية في سيناء ورفح، في مواجهة من؟ في مواجهة المقاومة في غزّة.
إن من يقف مع فلسطين، قولا وفعلا وحقاً يحترم أولا كرامة وحقوق الشعب في بلده.
ولقد واظب النظام في مصر على تكرّار موقفه الضعيف من مشروع الضم الصهيوني، الذي يَستهدف أكثر من مصادرة ثلث الضفة المحتلة وفرض القوانين الصهيونية الاستعمارية، وظلت المواقف الرّسمية المصرية على حالها لا تسّر صديق ولا تُغيظ عدوّ، لا، بل تسّر العدوّ وضباطه وتغيظ الصديق والشقيق!
الصحافة الصهيونية تهتم بردود الفعل الأردنية أكثر من تداعيات مشروع الضم والنهب على العلاقات الاسرائيلية - المصرية.
الأسباب معروفة، لكن صحافة وأبواق النظام في مصر لا تتعب من مطالبة الفلسطينين في السر والعلن "بالتعامل الايجابي"، مع خطة ترامب وبحجة عدم وجود بديل لها على الأرض!
هل حقاً يريدون البديل؟
ولا أصدّق الموقف الأردني الرّسمي، لا أصدق الملك في عمان، مثل 99% من شعبنا في فلسطين والأردن، لم نعد نصدق هذا المثلث المستسلم في القاهرة المحتلة وعمان المحتلة ورام الله المحتلة.
ولا يصدق أحد دور السلطة وقواها في أي حراكات شعبية وتضامنية في الشتات، ويعرف أنها تكذب.
لن تجد من يرفع صورة محمود عباس في مظاهرة أو مسيرة حيث لا توجد السلطة ولا توجد قبضتها الأمنية والمالية" هنا وهناك"، ولا دور للسلطة وسفاراتها في محاولة استنهاض الواقع الشعبي العربي والدولي، بل أنها تفعل العكس تمامًا، وهناك سياسة رسمية فلسطينية يعرفها أبناء الجاليات الفلسطنية، وكيف تشجع السلطة على الاستكانة والرضوخ وتكتفي السفارات الفلسطينية بالمواقف الرّسمية الباهتة الرمزية، وتسوقها قناة "فلسطين" على أنها من صنع السلطة وأنصارها!
ستظل مهمة خلق البديل الشعبي الثوري تعني في الجوهر إسقاط كل مرحلة أوسلو، وهذه مهمة تقع على كاهل طلائع القوى الوطنية الجذرية، في فلسطين، والأردن، ومصر وعلى عاتق أنصار نهج المقاومة والتحرير في وطننا العربي والعالم، وهذا يشترط العمل والحوار معا ومراجعة جادة لمواقفها وسياساتها وطبيعة دورها
ودون أن تعزز هذه القوى من دورها الشعبي في الميادين وتعيد الصراع إلى بديهياته الأولى، وتقلع عن الأوهام وشعارات "المصالحة" ستظل قوى لسلطة في فلسطين والعالم العربي، تتصور أن الشعب مجرد قطيع يمكن جلده وحلبه وجلبه الى المهرجان!