ما أن سمع فلسطينيون خبر إلغاء السلطة الفلسطينية للاتفاقيات مع الصهاينة حتى ظنوا أن برنامج المقاومة المسلحة سيحل محل المفاوضات، فامتشقوا السلاح وخرجوا إلى الشوارع يطلقون الرصاص ابتهاجا وتهديدا للاحتلال الصهيوني.
خرج عدد من الذين يمتلكون سلاحا بسلاحهم أمام الناس، وأخذوا يطلقون النار في الهواء، ويفسرون بأنهم رجال المقاومة الذين سيواجهون اعتداءات الكيان الصهيوني، وهم الذين سيحررون ويقيمون الدولة الفلسطينية. حصل هذا في عدد من المواقع في الضفة الغربية.
يبدو أن هؤلاء المتحمسين لم يتعلموا الدروس من الماضي أيام كان رجالات الفصائل ومنظمة التحرير الفلسطينية يخرجون بسلاحهم في شوارع عمان وإربد وبيروت وصيدا مزهوين بسلاحهم ويطلقون النار في الهواء دون حرص على تجنب إصابة مدنيين يقفون على شرفات بيوتهم.
لقد استعمل رجال الفصائل الفلسطينية السلاح للتظاهر والتمختر في الشوارع والأزقة، واستعرضوا عضلاتهم القتالية أمام الناس، ولم يبخلوا على أنفسهم بالصور التي انتشرت على الملأ. كان هناك من صفق لمثل هذه الاستعراضات المسلحة وظن أنها درب من دروب الرجولة والتصميم، وكان هناك من رأى فيها انتقاصا من هيبة الدولة المضيفة. وغيرهم رأى في المسألة خدمة أمنية للاحتلال الصهيوني.
ومن تجربتنا نحن الشعب الفلسطيني، هذه الاستعراضات تضر ولا تنفع للأسباب التالية:
من هو الذي يحمل السلاح علنا في الضفة الغربية أمام أعين الاحتلال ولا يلاحق الاحتلال سلاحه؟ على الأقل، لو لم يكن الاحتلال متأكدا من أن هذا السلاح لن يوجه إليه لما تركه وشأنه. الاحتلال يلاحق كل أدوات المقاومة بما في ذلك الحجر، وخبرتنا واضحة تماما أن الاحتلال يلاحق سلاح المقاومة ويأمر السلطة الفلسطينية بملاحقته، لكنه لا يلاحق سلاح الاستعراضات والمناسبات مثل الأعراس أو خروج سجين من السجن، ولا يلاحق سلاح المشاجرات بين الناس.
ما دام السلاح استعراضيا، ويهدف إلى إرهاب الناس وصناعة الفوضى في الشارع الفلسطيني، ويستعمل بغرض تحقيق مصالح شخصية وحسم شجارات عائلية فإن الاحتلال ينام مرتاحا. هناك سلاح وطني مقاوم، وهناك سلاح غير وطني وغير مقاوم، وهو سلاح تواكب انتشاره مع ارتفاع منسوب الخصومات الداخلية بين الناس والتي نسميها في بلاد الشام الطوشات.
يستفيد الاحتلال من هذه الاستعراضات من حيث أن صور المسلحين تنتشر، وبالتالي تتراكم معلومات الاحتلال عن الأفراد المسلحين، علما أن السلاح المرخص يمر عبر الدوائر الأمنية الصهيونية، ولا يتم ترخيصه إلا بعد التأكد بأن حامله لا ينوي مقاومة الكيان الصهيوني.
وهذا الأمر شأنه شأن المهرجانات التي تقيمها الفصائل الفلسطينية على مرأى من قوات الاحتلال. هي تقيم المهرجانات لإظهار قوتها أو لتثبيت نفسها أمام الشعب الفلسطيني، لكن الاحتلال يتعرف على أفرادها ومختلف مكوناتها السياسية والثقافية والأمنية. هي مهرجانات تؤسس للاختراقات الأمنية الصهيونية ولتمكين الصهاينة من اغتيال الأشخاص. وهذا شأن التظاهر بالسلاح. فإذا كان هناك من يحمل سلاحا لم يكن مسجلا لدى الصهاينة فإن التظاهر يؤدي إلى إدخاله سجلات المراقبة والمتابعة.
من المعروف أن المجتمع الفلسطيني ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية مخترقة أمنيا من قبل الاحتلال، ولا يصعب على الاحتلال زرع جواسيسه ووكلائه في صفوف المسلحين والمشاركين في المهرجانات لنقل تفاصيل المشاركة لأجهزة أمنه. هذا أمر معروف ويثير التساؤل حول هؤلاء الذين يصنعون من أنفسهم أبطال مقاومة. ويكفي أن الشخص يحمل سلاحا أمام العدو لكي يصبح موضع شك أمني ووطني.
هذا ينطبق على سلاح السلطة الفلسطينية المرخص صهيونيا، والذي وصفه دايتون أمام الكونغريس الأمريكي بأنه سلاح غير قاتل. ووفق المعايير الوطنية، لا سلاح السلطة الفلسطينية شرعي، ولا سلاح المهرجانات والمناسبات والطوشات. السلاح الشرعي الوحيد المنسجم مع المعايير الوطنية هو سلاح المقاومة بالأخص سلاح غزة.
وهنا يجب أن أؤكد على أن التظاهر بالسلاح واستعماله في غير مواضعه كان أحد أهم أسباب الهزائم الفلسطينية المتتالية. وفق منظمة التحرير والفصائل، انتصاراتنا يصعب إحصاؤها وهي الانتصارات الوهمية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تردّ للقضية الفلسطينية ووهن الثقافة الوطنية. المقاوم الحقيقي يعمل سرا، يحتفظ بسره لنفسه فقط، ولا يطلع عليه أحد مهما كان مقربا. قوة المقاومة ونجاحها في سريتها وفشلها في فهلوتها وارتجاليتها واستعراضاتها.