ستون يوماً مرت على الأقصى وهو مغلق بحجة منع انتشار وباء كورونا، بينها شهر رمضان بأكمله. للأقصى حالة استثنائية عن سائر المساجد، حتى عن الحرمين في مكة والمدينة، فهو مستهدف بمشروع تهويد يريد تغيير هويته، فهل مرّ إغلاقه الطويل دون ثمنٍ في هذه المعركة؟
خسارتنا الأولى والكبرى كانت إضفاء المشروعية على الدور الصهيوني في الأقصى، فالحكومة الأردنية أبرمت اتفاقاً على مستوى وزارة الخارجية مع خارجية الاحتلال، في الوقت الذي يخوض فيه المحتل معركة لفرض سيادته على القدس والأقصى بكل قوته، وبغطاءٍ أمريكي كبير. لطالما كان الموقف أن الاحتلال أمر واقع مفروض، وأن التعامل معه ميدانياً يدخل في هذا الباب، لكن إبرام الاتفاقات السياسية معه على الأقصى يعني اعترافاً بأصالة هذا الدور ومشروعيته من السلطة التي لطالما تولت المسؤولية عن المسجد منذ ما قبل احتلاله. حتى شهر 2-2019 وخلال هبة باب الرحمة كانت السلطات الأردنية تبادر إلى نفي وجود مثل هذه الاتفاقات التي كانت تتداولها وسائل الإعلام الإسرائيلية على مدى أسابيع، أما هذه المرة فالتسريب جاء من مسؤول في الحكومة الأردنية، وأعضاء مجلس الأوقاف يتحدثون عنه بكل وضوح لمقربيهم، وحتى النفي الأردني المتأخر جاء خجولاً وعلى استحياء، وفي ثنايا تصريح الناطق باسم الخارجية.
أما خسارتنا الثانية فكانت احتكار الاحتلال الصهيوني لقرار فتح الأقصى وإغلاقه عملياً، ففي 21-3-2020 تبنت الحكومة الإسرائيلية إجراءات الإغلاق الشامل لدور العبادة، وفي اليوم التالي أعلن مجلس الأوقاف الإسلامية منع دخول المصلين من أبواب الأقصى، وذلك بعد الاتفاق أعلاه والذي لم يكن قد تسرب إلى العلن. أما قرار فتحه فقد وقع في الفخ نفسه، فتأخيره رغم كل المطالبات، ورغم تراجع الوباء ورغم فتح ساحة البراق للصهاينة ورغم فتح الأسواق، ورغم أنه ساحة مفتوحة، هذا التأخير كان من الواضح أن هدفه المركزي تجنب الصدام مع إجراءات الحكومة الإسرائيلية.
ظهر يوم الثلاثاء 19-5-2020، وأمام الضغط الشعبي المتزايد، أعلن مجلس الأوقاف الإسلامية أن الأقصى سيفتح للمصلين بعد العيد، لكنه لم يحدد متى وكيف. في وقت متأخر من مساء اليوم ذاته أعلنت الحكومة الصهيونية السماح بفتح دور العبادة بحد أعلى 50 شخصاً، نظرياً بات إعلان فتح الأقصى لا يصطدم بالإجراءات الصهيونية منذ تلك اللحظة، لكن بقيت المعضلة في تحديد العدد. في المحصلة كان قرار إغلاق الأقصى وفتحه تحت الإجراءات الاحترازية للحكومة الإسرائيلية.
خسارتنا الثالثة كانت الأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال بإغلاق ستة من أبواب الأقصى الثمانية المفتوحة للمسلمين، وفتح بابي الأسباط والسلسلة فقط، وإجبار موظفي الأوقاف الخمسين المسموح لهم بالدخول في كل فترة بالدخول عبر تلك الأبواب فقط، ما يعزل دائرة الأوقاف بذاتها عن الأقصى، وهي القائمة في المدرسة المنجكية حيث يشكل باب المجلس المدخل الرئيس الذي يربطها بالأقصى. باتت الشرطة الصهيونية هي الأصيل، وبات حارس الأقصى أو موظف الأوقاف يطلب الدخول فتدقق في اسمه وموقع عمله وفترته قبل أن تسمح له بالدخول، معتمدة على قائمة سلمت لها من طرف داخل الأوقاف كما نقلت وسائل إعلام عربية.
خسارتنا الرابعة كانت محاولة الاقتحام التي عملت جماعات الهيكل من أجلها. في محاولتها تلك لجأت تلك الجماعات إلى المحكمة العليا الصهيونية لتطلب إدخال أفرادها إلى الأقصى أسوة بموظفي الأوقاف، ومعتبرة إدخال موظفي الأوقاف وحدهم مساساً بالحقوق الأساسية لليهود. لم تجبهم المحكمة إلى طلبهم الآني وهو إدخالهم للأقصى أسوة بموظفي الأوقاف، لكنها انحازت إلى موقفهم من حيث المبدأ، فأسست لاعتبار حق اليهود في الأقصى مكافئاً ومساوياً لحق المسلمين. لتأكيد ذلك المستجد القانوني راسلت جماعات الهيكل قيادة شرطة القدس، فجاء ردها بأنها ستسمح بدخول اليهود للأقصى فور دخول المسلمين. بذلك مضت جماعات الهيكل خطوة إضافية إلى الأمام في مسار طويل من السوابق القانونية وتعديل دور الجهاز التنفيذي على أساسها، بدءاً من مجرد الدخول في 2003 إلى الحق المتساوي والمكافئ للمسلمين بنظر كيان المحتل في 2020.
أمام هذه المكاسب الأربع الكبرى، اختارت حكومة الاحتلال أن تتجاوز إغراء السماح لجماعات الهيكل بالاقتحام ليكونوا أول من يعيد فتح الأقصى بعد إغلاقه الطويل، فهي ضمنت اليوم أنها باتت طرفاً أصيلاً في إدارة الأقصى، وأن قرارها السياسي يسمو على الإدارة الدينية للمسجد، وأن شرطتها هي سلطة الدخول والخروج المطلقة، وأن مكانة اليهود في الأقصى مضت إلى موقع التساوي والمناصفة في عين الأذرع القضائية والتنفيذية على المستوى الداخلي.
أمام هذه المكاسب، فأي حكمة كانت في إطالة أمد إغلاق الأقصى؟ وكيف سيكون الحال عند فتحه وبعده؟