إن اقتحام سلواد فجراً بعشرات المركبات والمئات من العناصر الامنية، لا يعبر عن تنفيذ "القانون"، بل عما تحاول السلطة بأجهزتها الأمنية كمنظومة حكم استبدادي فرضه على أرض الواقع، من خلال استعراض القوة وممارسة العنف، العنف المعنوي الممثل باستحضار كل هذه القوة الأمنية، والعنف المادي الذي تم ممارسته.
ممارسات حكم استبدادي ممثل بالقمع اليومي على شعب مستعمر، يمتص قواه، يلاحقه في لقمة عيشه، وهنا، في وسيلة تنقله التي انتزاعها انتزاعاً في ظرف غير عادي، هي ممارسة نعي لها جيداً ولعلاقتها بالفساد والرأسمالية... فأصغر عامل فلسطيني يعرف العلاقة جيداً بين طحن مركبته البسيطة وبين فساد هده المنظومة وعلاقة ذلك بتجارة المركبات وتوأمها الممثل بتسهيل القروض للممارسة سيطرة أخرى علينا.
اختيار سلواد لم يكن عبثياً، بل محاولة لفرض السيادة، السيادة الشفافة، السيادة الوهمية تحت حكم استعماري، يحاصر البلدة بالاستيطان ولا يسمح بدخولها إلا بتنسيق، تنسيق مرتب ومشروط. ليحاكي بذلك تماماً اقتحام قوات الاحتلال التي تقتحم وهي مستعدة لخوض معركة، فطالما تردد ذات السؤال من قبل المحققين الصهاينة: متى ينام أهل سلواد؟!
وهل ينام حارس البيدر؟!..
ولأن حراس البيدر لا ينامون، تسلل الخبر سريعا، واستعد الأهالي لحماية حمى سلواد، نقلوا المركبات الى خبايا القرية التي يعرفوها وحدهم، أغلقوا الطرق، وانهالوا عليهم بالحجارة... اشتدت المواجهات، أصيب من أصيب أحدهم أسير انتزع حريته بعد ١٠ سنوات من الاعتقال في سجون العدو، واعتقلوا عدداً، ودمروا عدد من المركبات من أصل المئات.
مواجهات عبرت تماماً عن العلاقة القائمة بيننا كشعب وبين منظومة السلطة وأجهزتها القمعية، علاقة الرفض المستمر لمن يعرقل نضالاتنا، يصادر حرياتنا، ويفرط في أراضينا، ويلاحق لقمة عيشنا.. منظومة فرضت علينا نفسها ولم نختارها، وإن خيرنا لكنا رفضنا أيضاً. العلاقة القائمة على فهم واضح لما تحاول هذه المنظومة فرضه من عقاب وردع لفرض السيطرة بالقوة أو حتى بالخاوة والبلطجة.
مرة أخرى، اختيار سلواد لم يكن عبثياً، اختيار الآن (كانون أول) أيضا ليس عبثياً، ففي هذه الأيام عام ٢٠١٥ اشتدت المواجهات في سلواد التي التحقت بهبة القدس، وتصاعدت لينفذ أبطالها عمليات دهس فدائية (الشهيد أنس حماد، الشهيد محمد عياد، الشهيد عابد حامد) وقتل الاحتلال شهيدتنا مهدية حماد خلال مرورها بمركبتها من منطقة المواجهات.
فاليوم وبينما نحيي ذكرى بطولات شهداءنا الأبطال ونفخر بأدواتهم القتالية التي استخدموها، تقتحم الأجهزة الأمنية مدعية ملاحقة المركبات، فيما لا يقرأ ذلك إلا ضمن الخوف المستمر من سلواد، التي يفجر ثوارها انتفاضاتهم المفاجئة متى وحيثما شاءوا، الثوار الذين لا يبرد ثأرهم. ولا يقرأ إلا من خلال صفحة التنسيق العار بين السلطة والعدو.
خرجوا بخفي حنين، وخلفهم الشباب يتسابقون بمركباتهم، يزمرون ويكبرون ويعلنون انتصارهم. فيما بقيت على جنبات الشارع الرئيس مجموعة من المركبات التي دُمرت بواسطة جرافة طحنتها وأبقتها مكانها يمر من جانبها المئات من طلبة المدارس والجامعات. الكل يتحدث بما جرى، الكل لديه قصته وحكايته، والكل يجمع على رفض هذه المنظومة وممارساتها.
الشفاء للمصابين الأبطال... الحرية للمعتقلين الأبطال
الحرية لأبطالنا المقاومين المعتقلين منذ عام ٢٠١٤ في سجون الأجهزة الأمنية، المقاوم معاذ حامد، المقاوم أحمد الشبراوي، المقاوم المشتبك محمد ماهر حامد.