قطعوا الطريق من كفر قاسم إلى الأقصى طلباً للرباط في أيامٍٍ انفضّ فيها الجميع عن الأقصى. شيرين قدوس لم يُقعدها العمر ولا مرض السرطان عن تلبية نداء الأقصى، ومعها ابنتها سميحة قدوس. أما ابنة أختها مدلين عيسى فهي ممنوعة من دخول الأقصى بأمرٍ تعسفي من شرطة المحتل، فشقت طريقها إلى باب السلسلة لتنضم إلى بقية المبعدين في اعتصامهم هناك. أودعت مدلين ابن أخيها علي عيسى ذي الخمسة سنوات مع خالتها، أما رواح خضير ابنة عمة مدلين، حضرت هي الأخرى تلبية لنداء الأقصى، لتصور ما يجري فيه، لتقف على ثغر تقاعس عنه الجميع إلا قلة قليلة.
في الساعة 10:30 صباحاً تنقض شرطة الاحتلال على الشابة رواح خضير، تُخرجها من الأقصى بهمجية لأنها كانت تصور تجاوزات مجموعة طلاب لأجل الهيكل التي كانت تصلي بصوتٍ عالٍ، وتتعمد التأخر عن الوقت الذي فرضته شرطة الاحتلال تعبيراً عن مطالبتها بتمديده. بعد قليل، تعود الشرطة إلى بقية أقارب المرابطة مدلين، وتطردهم إلى الخارج دون أن تخفي دافعها: "إنتو من كفر قاسم، خليها تنفعكم، إطلعوا برا". ممنوعون عن الأقصى، والتهمة مدلين!
مرت ثلاث ساعات على هذا المشهد، والغيظ في رؤوس عناصر شرطة الاحتلال يشتعل، فهؤلاء المرابطات اللاتي مُنعن عن الأقصى لم يمنعهن المنع عن أداء رسالتهن: وقفن للمعتدين عند نقطة خروجهم من الاقتحامات أمام باب السلسلة، يتلين القرآن ويحملن المصاحف، يذكرن هؤلاء الخارجين من الأقصى كم هم طارئون وعابرون، كنّ يثبتنَ لهم بالفعل قبل القول كم هو راسخٌ هذا الحق في الأقصى، وكم هي طارئة القوة التي يستند إليها العدوان في اقتحاماته.
اغتاظ المقتحمون الصهاينة، ورفعوا الصوت على المرابطات فوجدوا رداً واثقاً لم يداخله خوفٌ ولا استكانة. تفجر الغيظ في رؤوس الشرطة وهاجموا المرابطات، ضرباً ودفعاً، عايدة الصيداوي وهنادي الحلواني ومدلين عيسى، أما الطفل علي عيسى فلم يبقَ له إلا قريبته رواح خضير ليبقى معها.
علي هو أصغر مرابطٍ يدفع ضريبة الأقصى، فقد اعتقل من ساحاته مع عمته مدلين في 22-8-2019، وها هو اليوم يطرد من الأقصى بتهمة قرابته لها.
في الساعة 8:30 ليلاً، بينما كانت الشابة رواح خضر تنتظر أمام المحكمة في القدس لتعرف أنباء المحاكمة، خرجت قوة شرطة من المحكمة واعتقلتها هي أيضاً، فهي كانت الشاهد الرابع في هذا المشهد.
أربعة حرائر يبتن في الأسر اليوم لأنهن كن طليعة جبهة الدفاع عن الأقصى، أربعة حرائر كنّ هن لسان الحق الناطق، بينما تصمت ألسنة أمناء الفصائل وقادتها، وتصمت الدول وأصحاب الكراسي، وتقف المرابطات والمرابطون وحدهم في الميدان؛ فإلى متى نستلذ هذا الصمت الخَذول؟!