غزّة- خاص قُدس الإخبارية: وسط أكوام الركام والخراب، ورائحة البارود العالقة في المكان، بدأت الطفلة جنى محمد (4 أعوام) رحلة البحث بعيون تائهة عن دميتها التي اعتادت أن تؤنس أوقاتها طيلة فترة مكوثها في رياض الأطفال، حين تذهب إليه كل يوم صباحًا غرب غزة، لكنه الآن ليس سوى أكوام حجارة وجدران يكسوها رذاذ الصواريخ.
لا تعي الطفلة ما حلّ بالمكان، فهما الأكبر العثور على لعبتها التي وجدتها أخيرًا، فبدأت بنفث الغبار عنها علّها تعيد الحياة لها مرة أخرى، لكنها لم تنجح بعد في إعادة فصلها الدراسي، فالسبورة، المقاعد الدراسية، القرطاسية، لوحات الرسم التي كانت تلون عليها أحلامها، كلها باتت رمادًا.
وفي الحادي عشر من تشرين الثاني الحالي، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانًا على قطاع غزة استمر (48 ساعة) طال حضانة ورياض الأطفال الذي تتعلم فيه الطفلة جنى مما شكل ذهولًا وصدمة لأصحابه وللأهالي في قطاع غزة.
والد الطفلة جنى، اصطحب ابنته للروضة بعد انتهاء جولة التصعيد، بعد محاولات لإقناعها بعدم الذهاب متحججًا لها بأنها "مغلقة لإجازة"، لكن بكاءها كان أقوى من كل الذرائع، خاصة بعدما شاهدت جميع أشقائها ذاهبون للدراسة مرتديين زيهم المدرسي وبقائها وحيدة دون ذلك، بحسب حديثه لـ"قُدس الإخبارية".
وحتى لا تستمر "جنى" بالبكاء اضطر اصطحابها لروضتها لكنه كان حذرًا بسبب تراكم الدمار في المكان، يقول والد جنى: "بالبداية لم أصدق أذني عندما سمعت نبأ قصف روضة جني لكني اتصلت وقتها بسرعة وحدثتني المديرة أن الخبر صحيح بكل أسف، فسألتها لماذا؟ وكان جوابها: "ا سبب سوى أن إسرائيل لا تفرق بين الطفل، الحجر، الشجر".
ولأول مرة منذ ستة أعوام من إنشاء الروضة التي تحمل اسم "شهد" لن تصدح أصوات أطفالها بالنشيد الوطني الفلسطيني، ولن يصطفوا طابور الصباح، كذلك لم يمارسوا أنشطتهم الرياضية والترفيهية لأنهم حرموا الذهاب إليها، بسبب جرائم الاحتلال.
كما لم يمر قصف رياض الأطفال مرورًا سهلا على الطفلة آية اليازجي (12 عامًا) التي ترعرعت طفولتها وخطت أولي خطوات مسيراتها التعليمية فيه، إذ لم تنفك عينيها عن البكاء وهي التي منذ أن علمت بقصفه، منتظرة بفارغ صبرها انتهاء العدوان، حتى ذهبت مسرعة لتفقد ما آل بروضتها السابقة والتي مر على دراستها فيها 7 سنوات.
وفور وصول آية للمكان، بدت تسترجع شريط ذكرياتها الجميلة التي عاشتها فيه وكانت تتشارك اللعب والمرح مع زميلاتها بين جدرانه، متجولة بين أركانه حتى وصلت للأرجوحة التي كانت من أفضل الألعاب بالنسبة لها وكانت في تلك الفترة تسمي باسمها، تقول الفتاة: "شعرت بالحزن بسبب قصف الروضة، لا يغيب عن بالي فترة تعلمي فيها بأول طفولتي، وكيف كنت أقضي وقتي هنا، كل تفاصيلها مخزنة في ذاكرتي حتى الآن وحتى الأناشيد التي كنت أرددها واحفظها من خلال معلمتي".
قالت آية: "إسرائيل بدّها تخوفنا وتمعنا نتعلم ونيجي عالروضة والمدرسة، لأنهم بيخافوا من الجيل المتعلم، لكن الروضة رح ترجع، ويكون في أطفال أكثر ويكملوا ويصيروا إشي كبير".
من جهتها، قالت خديجة صرصور، نائبة مديرة رياض وحضانة الأطفال المدمرة: "كل مرة يقوم فيها الاحتلال الإسرائيلي بقصف أي مبنى سكني يضع تبريرات كاذبة، لكن ماذا سيقدم هذه المرة بعد قصفة لرياض أطفال لا يضم سوى ألعاب، أقلام، قرطاسية، زجاجات رضاع المواليد، وهذا ما يدلل على جرم الاحتلال"؟!
ويبلغ عدد الأطفال المنتسبين للروضة 360 طفلًا منهم 200 رياض أطفال، و150 حضانة، يسعى من خلالها الأهالي للحصول على مكان آمن يأوي أطفالهم، وقت غيابهم عنهم.
وتضيف خديجة، أن قصف الروضة أعاق المسيرة التعليمية للأطفال، وترك أثارًا نفسية سلبية لديهم؛ لأنهم حُرموا من الذهاب إليها كل يوم كما المعتاد، وأحال دمار الحضانة بالأهالي الذين كانوا يتركون أطفالهم فيها ويذهبون للعمل إلى تركه، وفضلوا الجلوس لرعاية أطفالهم لحين إيجاد حلٍ بديل.
وتدعو خديجة الجهات القائمة ضمن لجان الإعمار التسريع في إعادة تأهيل الروضة قبل انتهاء الفصل الدراسي الأول، حفاظًا على استمرار المسيرة التعليمية.
وبحسب وزارة الإسكان والأشغال العامة في غزّة، فإن العدوان الإسرائيلي، دمّر 80 وحدة سكنية بشكلٍ كلي، و50 وحدة سكنية أضرار جزئية بالغة، و750 أضرار جزئية طفيفة ومتوسطة.