غزّة- خاص قُدس الإخبارية: "سلموا لي على أمي وأبوي واحكوا لهم بحبهم كثير" كانت هذه آخر الكلمات التي أوصى بها شهيد لقمة العيش إسماعيل أبو ريالة (18 عامًا)، قبيل قتله من قبل زوارق بحرية الاحتلال، أثناء امتهانه لعمله على مركبه الصغير" الحسكة"، بالرغم من إبحاره خلال مسافة 3 أميال وهي أقل من الحد المسوح له بالصيد، إلاً أنه لم يسلم من رصاص الاحتلال.
في27 شباط الماضي، خرج الشاب إسماعيل للعمل من بين أزقة مخيم الشاطئ غرب غزة، حيث يسكن ولم يعد؛ ملتحقًا بمهنته التي عشقها منذ نعومة أظافره، فلم يكن يفضل الجلوس بين المقاعد الدراسيّة آنذاك مثل بقيّة أقرانه، لأنه اعتاد قضاء وقته أمام شاطئ بحر غزة لتعلم فنون الصيد وغزل الشباك لإعالة أسرته المكونة من 14فردًا.
وعن تفاصيل حادثة استشهاده، قالت والدته نقلًا عن الشهود، إنه "كان برفقة اثنين من أصدقائه نائمين على ظهر الحسكة، ينتظرون بزوغ الفجر حتى يرسون على الشاطئ، لكن وبشكلٍ فجائي، قامت آليات الاحتلال العسكرية البحرية "الطرادات" المتركزة في عرض البحر بتصويب إنارة قوية عليهم، وبدء ملاحقتهم".
وأضافت لـ"قُدس الإخبارية"، أن جنود الاحتلال أطلقوا النار بشكلٍ عشوائي على القارب، كان وقتها إسماعيل نائم، واستيقظ على الصوت مفزوعًا. مستكملة "أنّ قناص الاحتلال كان يوجّه إضاءة "ليزر" تجاه رأس زميله المرافق له، وعندما شاهده ابني قام بسرعة أبعده فأصيب هو بالطلقة برأسه وسقط فورًا ملطخًا بدمه".
ولم تكتف الزوارق البحريّة بسلب روح أبو ريالة، لكنها استمرت بإطلاق نيران رشاشاتها تجاه أصدقائه فأصيبوا هم الآخرين، ولم يسلم أحد من الحرب البحرية تلك، اقتربت قوات الاحتلال وصادرت جثمان الشهيد إسماعيل، فيما لا تزال والدته، تبكيه حرقة متلمسة بحسرة ملابسه التي كان يرتديها، عندما كان يذهب لرحلة الصيد المحفوفة بالمخاطر.
دون سبب أو سابق انذار يمارس الاحتلال الاسرائيلي انتهاكاته ضد صيادين البحر الأكثر فقرًا وشقاءَ في مهنتهم، بين قتلهم بشكل مباشر، أوتضيق مساحة الصيد لأقل من المساحة المتفق عليها، عليها 6 أميال، إضافة لمصادرة أدوات صيدهم وتخريب قواربهم، كما يحارب الاحتلال الاسرائيلي أصحاب المهن الحرفية في رزقهم الوحيد، بحرًا وبرًا بالمدينة المحاصرة، محوّلًا حياتهم إلى كابوس.
شهيد البر
ولم ينتهِ أهالي غزّة، من حزنهم على شهيد البحر نهاية فبراير الماضي، مستقبلين مارس على خبر استشهاد المزارع محمد عطا أبو جامع 57 عامًا، الذي قتله جنود الاحتلال بينما كان يعمل بأرضه.
"كنا قد اتفقنا على أن يسقى أبو محمد الخضروات وأنا أحصدها بعده، وقد اعتدنا على هذا الاتفاق ويوميًا، لأن هذا مصدر رزقنا الوحيد الذي نعتاش عليه"، تقول زوجته الشاهدة على الحادثة.
وأضافت زوجته لـ"قُدس الإخبارية"، قام أحد جنود الاحتلال بقتله بشكل مباشر، دون أي سبب، ولم يكن حولنا أحد يسعفنا لأننا نعمل بالمنطقة الحدوديّة، ليتركني وحيدة برفقة همومي فهو كان شريك العمل والحياة والآن اعتصر ألم الفراق وحدي"، مشيرة إلى أنّه "لم تكن هذه المرة الأولى التي ينتهك فيها جنود الاحتلال أرضنا، فسابقًا حاولوا أكثر من مرة إطلاق النار علينا، إضافة لمضايقاتهم لنا بإلقاء قنابل غازية تضر بصحتنا وبالزراعة".
بشكلٍ متواصل يلاحق الاحتلال الإسرائيلي مصدر رزق المزارعين في المناطق الحدودية، ما بين اعتقال، قتل، ملاحقة، رش مبيدات كيماويّة على أراضيهم الزراعيّة، بما لا يسمح لهم بالاستمرار في ممارسة أعمالهم وتطويرها.
تعقيبا على ذلك أصدر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، بيانًا استنكر فيه الحادثتين اللتين تعرضا لهما الصيّاد أبو ريالة والمزارع أبو جامع شهيدان الخبز المر، لاسيما عمليات الاستهداف المباشر لهم، محذرًا في الوقت ذاته من تصاعد الانتهاكات وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين في ظل صمت المجتمع الدولي.
وطالب المركز الحقوقي بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في قتل الشهيدين وفي الانتهاكات الأخرى المشابهة، وفي مدى التزام قوات الاحتلال بقواعد القانون الدولي. داعيًا المجتمع الدولي بالتدخل الفاعل لوقف انتهاكات الاحتلال، وإلزام سلطات الاحتلال باحترام قواعد القانون الدولي في تعاملها مع المدنيين من سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بدوره قال مدير الدراسات والتخطيط بوزارة الزراعة نبيل أبو شمالة، " إن أسوأ ما يواجه العامل في غزّة، هو محاربته في نشاطه الاقتصادي وقوت يومه، ومصارعته للمخاطر التي لا يعرف كيف تأتي وفي أي وقت تأتي".
وأضاف أن فئة المزارعين والصيادين أكثر الفئات الهشة التي تعاني من انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي بشكل مباشر ومتعمد، موضحًا أن العامل الحرفي يعيش ضغوطات نفسية اجتماعية وتهديدات كبيرة، لكنه في نفس اللحظة مضطر للخروج للعمل رزقه، وأنّ قرابة 350 عاملًا في قطاع غزة يعملون بمهنة الصيد غربًا، بينما 5 آلاف يعملون بالزراعة شرقًا.