لم تكن الطوائف المسيحية العربية الفلسطينية منفصلة يوماً عن السياق التحرري وعن حركة المجتمع العربي الفلسطيني، فهي كانت وما زالت وستبقى مكوناً أصيلاً ورئيسياً فيه، رغم كل محاولات الاستعمار وأدواته خلق شرخ في المجتمع من خلال اللعب على التناقضات الداخلية ومحاولة افتعال النعرات الطائفية داخل المجتمع الفلسطيني.
تمظهر ذلك في العمل على نسج علاقات مع بطاركة الكنائس ورجال الدين وبعض الشخصيات السياسية والاقتصادية، وتقرب الوكالة اليهودية من عائلات إقطاعية أدت إلى بيع الأخيرة آلاف الدونمات، وصولاً إلى إبراز نماذج فردية لأبناء هذه الطوائف وهم يعتزون بخدمتهم في صفوف جيش الاحتلال وبالانتماء إلى دولة "اسرائيل".
إلا أن الأغلبية الساحقة من المسيحيين رفضت أن تكون أداة في يد الاستعمار بل واجهته بكل قواها، وخرج من بين صفوفها المناضلون، ومنهم من غير وجه التاريخ، فكان حكيم الثورة جورج حبش، وعقلية الثورة الفذّة وديع حداد، والمناضلة خاطفة الطائرات سهيلة آندراوس، والمناضل الأممي المطران هيلاريون كابوتشي، وأسماء كثيرة خلدت في صفحات التاريخ، حتى أن المؤسسة الدينية المسيحية لم تكن بعيدة عن هذا السياق فقد كانت كنيسة المهد ملجئاً وحامية ل٣٠٠ من الفدائيين مدة ٤٠ يوماً أثناء تصديهم للاجتياح الصهيوني عام ٢٠٠٢.
اليوم بدأت تتكشف خيوط الصفقة الكبرى بين حكومة الاحتلال والبطريرك الأرثوذكسي اليوناني ثيوفيوليوس الثالث ومجمعه المقدس وتورطهم في بيع وتصفية أملاك الكنيسة العربية الأرثودكسية في كل فلسطين، وفي مدينة القدس على وجه التحديد، تشمل شققاً سكنية ومحلات تجارية وفنادق وأراضي بآلاف الدونمات في مواقع حساسة واستراتيجية هي بالأصل ملكاً لعائلات مسيحية قامت بتأمينها عند البطريرك خوفاً من سيطرة حكومة الاحتلال عليها، تم بيعها بأسعار وهمية حيث يبلغ حجم أراضى الكنيسة الأرثوذكسية وحدها ما نسبته ٣٥٪ من أراضي القدس، وأملاكها داخل أسوار القدس القديمة تتعدى الربع، بالإضافة إلى ذلك فإنها تملك ما نسبته 3% من مساحة اللد والرملة وحيفا ويافا.
وفيما يمضي أبناء الطائفة الأرثذوكسية والطوائف المسيحية الأخرى بمقاطعة البطريرك ومجلسه، تقوم قيادة السلطة باستقباله وبالأمس يدخل تحت حراسة أمنية إسرائيلية مشددة إلى كنيسة مار جريس ( الخضر) في مدينة اللد للمشاركة في صلاة عيد لد، رغم احتجاجات الأهالي وأبناء الكنيسة وإعلانهم مقاطعة الصلاة في حال مشاركته.
هناك حراك شعبي في الأرض المحتلة منذ أشهر بدأ يتصاعد مطالباً بتعريب الكنيسة ووقف صفقات بيع الأراضي وتنحية البطريرك اليوناني، هذا الحراك يجب دعمه والدفع به إلى الأمام، وعلى رجال الدين والفصائل أخذ موقعها الحقيقي من هذه القضية وتسمية الأمور بأسمائها.
فمن يبيع أملاك الفلسطينيين إلى الاحتلال هو خائن ويجب نزع الشرعية السياسية والوطنية والدينية عنه، ويجب على الجميع تحمل مسؤولياته فالقضية لا تخص الطائفة الأرثذوكسية ولا الطوائف المسيحية وحدها؛ بل هي قضية كل عربي فلسطيني حر، حتى تبقى كنائسنا ومساجدنا شوكة في حلق المحتل وشاهدة على عروبة القدس وفلسطين.