رام الله - خاص قدس الإخبارية: على مهل كتب عمر وصيته، ثم نشرها للملأ على صفحته الشخصية المفتوحة في شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وتوجه بعد ذلك إلى قبلته، التي درسها وخطط لها جيدا.
وصل عمر عبد الجليل العبد (20) عاما مستوطنة حلميش المقامة على أراضي غرب مدينة رام الله، تبختر بها وصولا إلى أحد المنازل، حيث كان هدف سكينه التي نفذ بها عمليته الفدائية، قبل أن تدوي صفارات الإنذار معلنة ما لم يكن في حسبان الاحتلال، عملية فدائية في عقر داره المحصنة.
ثلاثة قتلى وإصابة خطيرة رابعة حصدت عملية عمر الفدائية التي نفذها انتقاما للمسجد الأقصى، كما كتب في وصيته، "كنت أعشق الحياة لرسم البسمة على وجه الناس، لكن أي حياة هذه التي تقتل فيها نساءنا وشبابنا ظلما، ويدنس فيها أقصانا ونحن نائمون، أليس من العار علينا الجلوس"
وتابع، "أنتم يا من سلاحكم صدأ، أنتم يا من تخرجون سلاحكم في المناسبات.. ألا تخجلون من أنفسكم .. ها هم أغلقوا أقصانا فلم يلبي سلاحكم، وأنا كل ما أملك سكين مسنون ها هو يلبي نداء أقصانا".
عمر العبد (20) عاما من قرية كوبر غرب مدينة رام الله، يدرس إدارة الأعمال في جامعة القدس المفتوحة، ويعمل في كسارة حجارة.
في نيسان المنصرم، اعتقل في سجون الأجهزة الأمنية، بعد استدعائه من قبل جهاز الأمن الوقائي، حيث تعرض للتعذيب والضرب والإهانة حسبما كشف في شهادة أدلاها لمؤسسة المرصد الأورمتوسطي لحقوق الإنسان.
فيما أشارت مصادر خاصة لـ
قدس الإخبارية، أن اعتقال الأمن الوقائي للشاب عمر جاء على خلفية شكها أو تلقيها معلومات تفيد بنيته تنفيذ عملية فدائية، قبل أن تفرج عنه بعد عجزها عن استنطاقه.
عملية عمر الفدائية وفي ساعات 21 تموز الأخيرة، جاءت لتختم يوم جمعة الأقصى، وتكلل الفداء الذي قدم للمسجد الأقصى اليوم، إذ أعلن النفير نصرة للأقصى ورفضا لنصب الاحتلال البوابات الإلكترونية على أبوابه، نفير لبى ندائه الآلاف، ليرتقي خلاله ثلاثة شهداء ويصاب أكثر من 500 شاب ويعتقل آخرين.
ساعات مضت، وعمر ينتظر أن يراقب أدوار الجميع الانتفاضة التي انفجرت بوجه الاحتلال، وما أن هدأت الأمور حتى قرر أن يفجرها بعملية فدائية نوعية، لا تقاس بعدد القتلى والإصابات التي خلفتها، ولكن باستراتيجية اختيار مكانها وزمانها.
الكاتب ومحلل الشؤون الإسرائيلية علاء الريماوي أوضح لـ
قدس الإخبارية، أن ما يمكن استقرائه في الحالة الفلسطينية اليوم، أن المس بالمسجد الأقصى سيعكس حالة تحولات استراتيجية في تفكير الفلسطيني، "هذا التحول سبق أن عايشناه في انتفاضة الأقصى، إذ شهدنا غضبا عارما وتطورت المواجهة بين الفلسطينيين والاحتلال".
وتابع، "عندما مس المسجد الأقصى مجددا، انطلقت انتفاضة جديدة وأطلق عليها انتفاضة القدس، الآن تمس بوابات المسجد فيصبح لدينا هبة جديدة بعنوان هبة الأقصى(..) نحن الآن نعيش حالة متكررة".
وبين أن الجهات الأمنية الإسرائيلية وخاصة المخابرات تتيقن جيدا أنها ستدفع ثمنا باهظا بمساسها المسجد الأقصى، وستفتح بذلك جبهات عدة ضدها، "الأمور في تصعيد، وحالة الهدوء صعب أن تعود، فالتاريخ عملنا أنه عندما يمس المسجد الأقصى من الصعب إيقاف غضب الناس، وهو ما يعلمه الاحتلال جيدا أيضا".
عملية حلميش الفدائية فاجأت الاحتلال، الذي توقع ربما أن تنفذ اليوم عمليات فدائية في مناطق مفتوحة أو خلال المواجهات، إلا أن هذه العملية نفذت في بقعة يعتبرها الاحتلال الأكثر تحصينا، علق الريماوي "هذه العملية تؤكد للاحتلال أن حركة المواجهة متدحرة ومتطورة، كما آدائها في تطور من حالة إلى حالة كما كان في انتفاضة الأقصى.
وتابع لـ
قدس الإخبارية، "اليوم العملية تأخد بعدا آخرا، باختراق بقعة أمنية محصنة (مستوطنة) وصولا إلى أحد المنازل، وطعن أربعة ثم مقتل ثلاثة منهم (..) نحن أمام حالة بدأت تأخذ جدية في عدد الخسائر، وهو أمر طبيعي في تطور المقاومة الفردية التي تواجه الاحتلال".
قبل تنفذ عملية حلمش بأقل من ساعة، كان قد عقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤتمرا صحفيا أعلن خلاله عن تجميد كافة الاتصالات مع الاحتلال، احتجاجا على نصب البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى.
البعض تفاءل بتصريحات الرئيس عباس، فيما اعتبرها البعض الآخر كلاما بالهواء وخاصة أنه لم يعني بذلك بشكل خاصة وقف التنسيق الأمني، ولم تثر تصريحاته أي ردود فعل تذكر من قبل حكومة الاحتلال.
قال الريماوي، "الرئيس لم يقل التنسيق الأمني، وقطع الاتصال ربما تكون مع الإدارة المدنية للاحتلال فقط، وهذا الأمر لن يفيد شيء ولذلك المنظومة الأمنية الإسرائيلية لم تصدر أي موقف".
وبين أن إعادة الاعتبار لقوة المجتمع الفلسطيني ودعم صموده، وتغيير قواعد اللعبة السياسية الإسرائيلية التي تديرها في مواجهة الفلسطيني، على السلطة قطع العلاقة نهائيا مع الاحتلال بما فيها العلاقة السياسية والمصلحية والتنسيق الأمني.