فرضت الدولة الصهيونية احتلالها على القدس بعد اقتراحات متعددة بأن لا تُضمَّن القدس في الدولة الصهيونية، باقتراح التقسيم البريطاني لعام 1937 الذي اقترح بقاء القدس وبيت لحم تحت انتداب بريطاني دائم، أو الاقتراح الأممي-الأمريكي عملياً- للتقسيم بقرار 181 لعام 1947، الذي اقترح تحويل القدس إلى منطقة دولية يحكمها كيان دولي خاص.
باختصار لقد كانت القوى الاستعمارية تتطلع إلى حكم القدس بنفسها، والاستراتيجية الصهيونية في المدينة تتمحور غربياً حول "إثبات الجدارة" بحكم القدس، بإثبات السيطرة على المدينة ومختلف مكوناتها، بأن الدولة الصهيونية قادرة على تطويرها وتنميتها كمركز تاريخي متعدد الأديان، طبعاً مع توافق الطرفين على نسبة من طمس الوجود العربي والإسلامي.
كل مظهرٍ للثورة في القدس يعني أن القدس ليست تحت السيطرة، يعني أن الدولة النووية المدججة بالسلاح غير قادرةٍ على حكم ما تدّعي أنها عاصمتها، في القدس لا ترى دبابةً ولا طيراناً حربياً في سمائها، والاحتلال حين يدفع بجيشه إليها يكون في حرجٍ شديد، وتدور نقاشاتٍ كبيرة حول مدة وجوده في القدس، فأية قوةٍ تلك التي تحتاج إلى إعادة اجتياح عاصمتها؟ هي في أحسن الأحوال دولة فاشلة أو في طريقها إلى ذلك إن فعلت، ولذلك هي تُسلّح قوة حرس الحدود فيها بأدواتٍ شبه عسكرية باعتبارها بديلاً عن وجود الجيش.
هنا تغدو الثورة في القدس أكثر جدوى، وإخراجها عن سيطرة المحتل أمراً ذا قيمة مضاعفة.
يتطلع الاحتلال الصهيوني إلى "أورشليم" العاصمة اليهودية الصافية للدولة اليهودية، ويحاول نقل المستوطنين اليهود إليها منذ أكثر من قرنٍ من الزمن، ونسبتهم في القدس بشطريها الشرقي والغربي اليوم هي 62.6%، ورغم أنها تشكل أغلبية، إلا أنها آخذة بالتناقص يوماً بعد يوم لأسباب متعددة، على رأسها المقاومة وغياب الاستقرار، وطغيان الروح العربية في المدينة. رغم قرن من العمل على إضفاء الروح اليهودية على القدس، جمع المستعمر الصهيوني فيها 8% من يهود الدولة فقط، بينما ما يزال 55% منهم محتشدون في الشريط الساحلي الضيق المحيط بتل أبيب، وفي كل عام يهاجر نحو 18,000 مستوطن يهودي من القدس، معظمهم يغادرونها نحو تل أبيب.
الثورة في القدس معناها أن يغيب أمن الصهاينة من جديد، أن يلوح الخوف في الأفق، أن يغيب شعور السيطرة والاستتباب، أن تحضر الله أكبر في كل المفترقات، أن يفاجأوا برشق الحجارة والإغلاقات في كل شارع، أن تتعطل المواصلات والقطارات وتنهار مواعيد العمل الدقيقة، أن يسمعوا وأبناءهم أصوات الرصاص وسرينة الطوارئ في كل لحظة، أن تغدو الحياة المدنية الحديثة كما يريدونها على الطراز الأوروبي مستحيلة، فيغادرونها بسرعةٍ أكبر، ويخسرون الحرب على هويتها بسرعةٍ أكبر... لأجل هذا كله لا بد لأية هبةٍ في القدس أن لا تدوم بنظرهم، فالثورة فيها تجعل الحلم بـ"أورشليم اليهودية" يذوي ويتهدم...
هل لدى الصهاينة ما يخشونه في القدس... أخبرني أنت.