رام الله – خاص قدس الإخبارية: قبل عدة أعوام، خبأت له قلمي حبر في خزانتها الخاصة، وما أن بدأ بمرحلة الثانوية العامة حتى أهدته القلمين في علبة صغيرة وضعتها في خزانته، وقالت له "هذه الأقلام ستكتب فيها بالامتحانات".
كانت تردد وتوصيه يوميا، "أريد أن يكتب بجانب اسمك ناجح يا محمد، لا يهمني العلامة المهم ناجح"، فمنذ أن ودعته بالدموع وهو يحمل حقيبته متوجها للصف الأول، وهي تتخيل السنين تمر أمامها ومحمد يكبر ويصل سريعا الثانوية العامة.
22 آذار الماضي، أحضر ضابط الملاحة البحرية المستقبلي محمد الحطاب (17) مجموعة من الخرائط، "خبئيها لي، لا أريد أن يعبث بها أحد، هذه أوراق مهمة سأدرس عليها في الامتحانات النهائية".
ما زالت الأوراق المرتبة كما هي حتى الآن، لم يلمسها أحد، لم يدرس عليها محمد الذي ارتقى شهيدا في 23 آذار بعد أن أطلقت قوات الاحتلال النار صوب مركبة كان يستقلها وثلاثة من أصدقائه أصيبوا بجراح خطيرة، لحق به شهيدا فيما بعد، صديقه جاسم نخلة.
صباح يوم إعلان نتائج الثانوية العامة، اتصلت والدة محمد على زوجها وأوصته أن يحضر الحلوى، فاليوم ستستقبل زملاء محمد الناجحين في الامتحانات وتوزع عليهم الحلوى وتبارك لهم، كما خططت سابقا أن تفعل فور استلام محمد شهادته.
تروي والدته لـ قدس الإخبارية، "في بداية العام الدراسي كان محمد خائفا، ولكن تشجع فيما بعد وأصبح مجتهدا يواظب على دروسه ليحقق حلمه بدخول الكلية العسكرية ودراسة الملاحة الجوية".
كانت فخورة به وهي تراه يتوجه إلى مدرسة الأمير حسن في بلدة بيرزيت، تحاول لملمة السنوات التي مضت سريعا وأوصلت محمد إلى الثانوية العامة، "محمد لم ينل شهادة الثانوية، ولكن نال شهادة عالية من الله لم أتوقع له أن يحصل يوما عليها، وهي أفضل من كل الشهادات، أهنأه بها وأفتخر فيه لأنه نالها".
تفتح والدة محمد خزانة نجلها الشهيد مجددا، تعيد ترتيب ملابسه وأغراضه المرتبة بعناية، "هذا صندوق محمد به أقلامه الرصاص والحبر التي يكتب بها يوميا، هذه نظارته الشمسية وتلك ساعته المفضلة"، ثم تشير إلى علب عطره، "هذه علبة عطر جديدة أهديت إلى محمد قبل استشهاده، رش منها على نفسه مرة واحدة وأخيرة كانت في يومه استشهاده (..) هذه العلبة يرش بها على نفسه عندما يخرج إلى الحارة، وتلك عندما يكون لديه مناسبة مميزة".
تصل يدا والدة محمد إلى آلته الحاسبة، "هذه آلة الحاسبة جديدة احضرها حتى يستخدمها بالامتحانات"، وتردد وما زال قلبها يرفض رحيله، "هذه الآلة الحاسبة سيستخدمها محمد في الامتحانات، فهي مازالت تعمل ولا أسمح لأحد باستخدامها".
في اليوم الأول لمحمد في الثانوية العامة كان لوالدته وكأنه يوم إعلان نجاح محمد، "كنت في منتهى السعادة، وخططت عند إعلان النتائج أن أطلق المفرقعات احتفالا بنجاح محمد، وأن أخرج برفقة الأهالي وأوزع الحلوى في أزقة المخيم".
الكل يهنأ المتفوقين والناجحين في شهاداتهم، إلا أم محمد فتهنأ ابنها بشهادته التي نالها، "أهنئه بهذه الشهادة التي تميز بها بين أقرانه، أرفع رأسي به وأفتخر فيه، فهو منذ طفولته رجل، واستشهد رجل".
فيما يقول محمود الحطاب والد الشهيد محمد لـ قدس الإخبارية، أنه كان يخطط لتنظيم احتفال كبير فور إعلان نتائج الثانوية، فهو كان على يقين بنجاح نجله محمد، "افتقدت ابني كثيرا في هذا اليوم، ولكني فرحت بنجاح أصدقائه الذين حضروا فورا إلى منزلنا وأهدونا نجاحهم"
ولفت إلى أن حديثا دائما كان يدور بينه وبين نجله الشهيد، إذ كان يوصيه على إكمال تعليمه والمواظبة على دروسه، "كنت أوصيه أن الشهادة هي السلاح الوحيد التي سيقهر بها المحتل، وكان يخبرني أنه حلمه أن يلتحق بالكلية العسكرية ويدرس الملاحة الجوية في ألمانيا أو الجزائر، إلا أنه اختار لقاء ربه".