اقتحام كفر قاسم ومحاولة كسر اللجان الشعبية الحارسة للبلد من العنف والمجرمين وإطلاق قنابل صوت وغاز حتى أدى الرصاص الحي لاستشهاد الشاب محمد طه، هو أمر ليس بجديد أو غريب أو مفاجىء أو خارج عن السياق العام.
لأنه بكل بساطة هذا المشروع الممتد على أرضنا من بداية القرن العشرين لليوم هو مشروع استعمار واستيطان وقهر وقمع وتغريب، سؤاله الأول هو كيف يحمي المستعمر ويخلق له حياة على حساب قهر وقتل الفلسطيني بكل المستويات. هذا هو الواقع سواء بدنا نشوفه أو بدنا نقول لا مش مزبوط.
الغريب أو الصادم نظرة شرائح ونخب وجمعيات وأحزاب فلسطينية إلى هذا مشروع وحالات قتل على أنها شاذة، على أنها غير متناسقة مع سيرورة شعب ونظام مجرم بحقنا، تراها منقطعة عن سياق القتل والتدمير الممارس من قبل المشروع على أرضنا منذ أكثر من مئة عام. تتعامل مع هذا النظام بشكل متواضع بشكل بريء دوان مواجهة. بشكل يتناسى أن هذا الكيان لن يحمي العرب، وهو مصمم على أن يبيد العرب أو يحولهم إلى عبيد، نعم إحنا عبيد حتى لو بنوكل بوظة وبنلبس حلو وبنتعلم بجامعات وعنا جنينة بالدار، إحنا عبيد لنظام قهر وسيطرة واعادة تشكيل وهاي الحالة ما بتنتهي والعنف الداخلي ما بنتهي وما بوقف طالما السلاح منتشر في بلادنا وإحنا نمثل دور المفعول به فقط. المعادلة بسيطة جدًا، في سلاح وفي رصاص النتيجة أكيد قتل وعنف، يعني شو بتتوقعوا من عائلات عندها سلاح ؟ تتصور بهاد السلاح ولا تطلع عالشارع تفرض سيطرتها وقوتها على المسحوقين "الي زيها".
الصراحة، الخطاب الذي يطالب بمحاسبة أفراد شرطة الاحتلال ويطالبهم يستقيلوا، هو خطاب يحاول يفكك أزمة العنف من خلال خطاب مأزوم وتفكيره ما بتجاوز حدود الأزمة، كمن يقول للحرامي إحلف، أو كمن بدق باب جيرانه المسافرين.
هذا الخطاب يستخف بعقول الناس ولا يعيد الإعتبار للشهداء ولتضحيتهم، طيب واذا استقال الشرطي "الإسرائيلي" الفلاني؟ هيك بنكون ردينا حقنا وحق الشهيد وعائلته؟ طيب شو وقع هذا المطلب السياسي على الشرطة "الإسرائيلية"؟ هل بساهم إنه يخلق جهاز شرطة الاحتلال "نظيف" يعني صفينا بالآخر بنعلم "بإسرائيل" كيف تكون أحسن وأفضل وديمقراطية أكثر؟ يعني هذا الخطاب خرج في الإنتفاضة الثانية، من رحم سياق المواطنة وتعامل مع شهداء الإنتفاضة الثانية على إنهم غير متساويين، في عنا شهداء عددهم فاق ال 4000 شهيد وفي ال 13 شهيد من ال 48 (إذا هاي مش إسقاطات أوسلو في خطاب أحزاب ال 48 الي بتعزز قيمة المواطنة، لكان اسقاطات ايش ؟) الغريب هو الإصرار على عودة هذا الخطاب.
لكن كل يوم هذا النظام يستيقظ باكرًا ويقرر أن يتعامل معنا (الفلسطينيين) كسواسية، - أي كلنا أعدائه، يفاضل وينفس وبقمع ويقهر لكنه يعود وينفس. الأزمة واقعة إنه إحنا مقتنعين إنه إحنا مواطنين والأخطر إنه مقتنعين إنه "إسرائيل" بتتعامل معنا على هذا الأساس وبنطالبها تتعامل معنا على هذا الأساس، لكن في الواقع من لما "هرتسل" زرع أول شجرة صنوبر على أراضي قرية قالونيا في 1860 قرر يعادي هاي الشعب ويسحقه ووهاي الحالة ممتدة بنظام حكم استعماري عنده أجهزته ومراكزه البحثية وشركاته الي كلها تعمل وتخدم المشروع الاستعماري بفلسطين.
إذا بننتبه لسير الأحداث في كفر قاسم، هو إنه مجموعة شباب محترمين ومتطوعين قرروا يحرسوا البلد ويقيموا لجان شعبية تحمي البيوت والناس. شو كان رد شرطة الاحتلال؟ إقتحام وتفريق حالة اللجان الشعبية، لأنه الأجهزة القمعية بتنظر لكل مجموعة منظمة على إنها خطر ويجب إستعمال القوة إلى فضها.
نفس الإشي الحركة الإسلامية كتنظيم عنده إستقلاليته المادية والتنظيمية، نفس الإشي مزارع الفطر الفلسطيني "امارو"، نفس الإشي العراقيب وهدمها والإصرار على هدمها بعد كل مرة تبني فيها، نفس الإشي شباب الأقصى الي بتطوعوا ينطموا شهر رمضان يتم اعتقالهم وخلق تنظيمات من الفضاء عشان يتهموهم فيها "شباب الأقصى"، المرابطات، الحراكات الشبابية، بعض المؤسسات وبعض الأحزاب، بعض القيادات.
هذه الحالة من التنظيم الي بتأرق "إسرائيل" وجهازها الأمني، الحالة التي تخلق قطع مع هذا النظام وبتبدأ تنظر وتفعل من أجل خلق حصانة شعبية ونظام إكتفاء ذاتي وعمل شعبي تطوعي للحراسة ولأمور أخرى، من هذا جانب يجب أن نبدأ بالتفكير وفعل شيء، لأنه ببساطة إذا لم نفعل سنبقى مفعول به.
إذا ما تحركنا كطلاب وكجيران وكأصدقاء وأهل في وجه شعبنا ممن يحملون السلاح، سيبقى العنف منتشر ويتمدد، ولا ألف منشور ولا ألف إجتماع ولو جبنا كل محللين وخبراء الإجرام بالعالم مش رح يقدروا يفككوا هيك أزمة "إسرائيل" إشي بنيوي فيها وبوجودها وبتغذيتها وبإستمرارها وبعدم خلق ردع تجاهها ورح نضل غرقانين بالرصاص الي وزعته "إسرائيل" علينا عشان نخلص على بعض.
العنف والسلاح بنتهي مع زوال الإستعمار. عنف الإستعمار بنتهي لما نبلش نفكر إنه إحنا مستعمرين ومش بس نقولها، بل نامن فيها، ونامن إنه هذا الإستعمار إلى زوال وننشط بهذا المستوى ومش نستعمل هاي الكلمات للوصف فقط. لما نبطل نتعامل مع "روني إلشيخ" على إنه رجل موضوعي يستاهل نخاطبه بعقلانية وبإحترام.. الزلمة جاي المخابرات وماسك الشرطة، شو فكرتوا اليسام يفوت يوزع بقلاوة عالشباب الي بتحرس؟ لأ وكل يوم لأ!