رام الله – خاص قدس الإخبارية: وسط الجلبة، تعلو مناغاة بُشرى وهي تتدرب على المشي داخل الخيمة، خطوة تليها خطوة، قبل أن تتعب وتقرر الاستسلام والجلوس على الأرض، ثم تفتح يدها وتضمها عدة مرات مشيرة أمها لتساعدها على النهوض مجددا.
بُشرى التي أكلمت عامها الأول قبل ثلاثة شهور، تقف مجددا على قدميها لتستعرض أمام الحضور فستانها الذي يحمل صورة والدها أحمد داوود حامد المغيب في سجون الاحتلال منذ (14) عاما، إذ يقضي حكما بالسجن المؤبد ثلاث مرات.
ففي زيارة تعد الأقرب لقلوب الأمهات المعتصمات داخل خيمة التضامن مع الأسرى وسط رام الله، حضر وفد من سفراء الحرية مكون من بُشرى ومجموعة من أطفال آخرين، هم أبناء أسرى معتقلين منذ سنوات في سجون الاحتلال، نجحوا بتهريب نطف زرعت في أرحام زوجاتهم، لتدب الحياة في أسرهم، ويُبعث الأمل مجددا إلى قلوبهم الأسرى.
تقف بُشرى ويديها خلف ظهرها ورأسها مرفوع تتفقد وجوه الحاضرين، قبل أن يسقط نظرها على أحد الأطفال وتقترب منه وتبدأ بضربه، تضحك والدتها ايناس وتهددها بإخبار والدها عن مشاكساتها، "تقف تماما كما كان يقف والدها، ورثت الكثير منه" تقول ايناس لـ
قدس الإخبارية.
قرار ولادة بُشرى لم يكن بالقرار السهل على ايناس، فتروي أنها اتخذته وزوجها تتطلب الكثير من التفكير والتأني، تقول ايناس، "قدوم بُشرى غير الكثير في حياتنا، شعرت أنني أعمل بعثت الأمل ليس لزوجي فقط بل للأسرى، فرغم سجون الاحتلال ما زالت حياتنا مستمرة".
بشكل دوري يصل أحمد صور طفلته بُشرى والكثير من الرسائل التي تحدثها خلالها ايناس عن طفلته ويوميتها الحافلة، تضيف"العام الأول من عمر بُشرى قد مر بصعوبة في ظل غياب والدها (..) كل يوم كنت أتمنى أن يعود لنا أحمد ويعايش التطور بحياة بُشرى، عندما ظهر لها أول سن، عندما قالت للمرة الأولى بابا، عندما مشت أول خطوة".
بُشرى ليست الطفلة الوحيدة التي ولدت من نطفة مهربة من سجون الاحتلال، فهناك (47) طفلا آخرا إضافة لها، إذ كانت البداية من الأسير عباس السيد المحكوم بالسجن (35) مؤبدا و(100) عاما.
تروى زوجة الأسير عباس السيد، "عام 2002 خرج عباس من تحقيق قاس إلى سجن هداريم حيث ألتقى بعدد من الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد، أسرى لم كان قد مضى شهور قليلة على زواجهم قبل أن يتم اعتقالهم، وهو ما دفع عباس للتفكير بطريقة تدخل الفرح لقلوبهم".
وتضيف، "بعد نجاح تجربتنا، بدأ أهالي الأسرى بالتواصل معي، وبدؤوا الأسرى بمحاولاتهم بتهريب النطف وإنجاب الأطفال لتبعث الحياة والأمل من جديد إلى قلوب الأسرى وعائلاتهم".
أما سندس ونور (ثلاث سنوات ونصف) فهم أول توأم أُنجب من نطف هربها الأسير أحمد المغربي المحكوم بالسجن (18)مؤبدا والمعتقل منذ (16)عاما، "كبر محمود وأصبح يعي لحاجته للأخوة يتسلى معهم، ويجدهم بجانبهم عندما يحتاج إليهم وهو ما دفعني وزوجي لإتخاذ هذا القرار" تقول هنادي مغربي زوجة أحمد لـ
قدس الإخبارية.
سندس لا تترك شقيقها محمود الذي يحملها طوال الوقت، وتختبأ خلفه كلما حاول أحد الاقتراب منها ومداعبتها، فيما يكتفي محمود بالتعليق، "أحبها ونور كثيرا".
سلطات الاحتلال تختلق دائما المعيقات أمام أطفال الأسرى لتمنعهم من زيارة آبائهم، فتقول هنادي، "فرض الاحتلال المنع الأمني على سندس ونور، إلا أنه وبعد مداولات كثيرة وبضغط من الصليب، زارت الطفلتان أبيهم".
وبالقرب من سندس ونور، يقف التوأم عمرو وعادل (عامان) وقد حضروا ببدلات سوداء رسمية، توأم مختلفان تماما، أحدهم أشقر والآخر أسمر، هم ابنا الأسير أنور عليان المحكوم بالسجن (23) عاما،"تجربة صعبة ومشوار طويل، ولكن فرحة قدوم التوأم كانت كبيرة جدا أنستنا كل ما مررنا، وأعادة لأنور الحيادة من جديد".
وأضافت لـ
قدس الإخبارية، " 15 عاما مضى على اعتقال أنور، أعوام كانت متشابهة بالألم قبل قدوم عمرو وعادل، فما أن حضرا حتى تغيرت حياتنا تماما للأفضل"، إلا أن أنور لا يرى طفليه إلا مرة واحدة كل أربعة شهور إذ يفرض الاحتلال المنع الأمني على زوجته.
"الزيارة 45 دقيقة فقط لا تطفي شوقه واشتياقه لطفليه، ولا يمسح له بحملهما إلا في الدقائق العشرة الأخيرة من الزيارة" تقول، مؤكدة عمرو وعادل هم أبناء أنور الوحيدين، فهو اعتقل بعد شهور قليلة من زواجهما.
وعلى غير العادة، حضرت والدة الأسير رأفت القروي المحكوم بالسجن(15) عاما، إلى خيمة التضامن وبرفقتها حفيدها عامر (ثلاث سنوات) الذي أُنجب من نطفة مهربة من سجون الاحتلال، تقول لـ
قدس الإخبارية، "أسعد يوم عندما جاء عامر، حيث تحقق حلم والده بتسمية طفله باسم صديقه الشهيد عامر عيدية، فهو عهد كان قد قطعه على نفسه".
كباقي العائلات لم يكن قرار الانجاب بالنطف سهل على العائلة ولكن كان لابد من اتخاذه تحديا بالاحتلال، "عامر نسخة لوالده، عندما يدخل المنزل، أشعر أن رأفت عاد.. الحياة تدب بالمنزل (..) الكل يدلل عامر لدرجة أنه أعمامه لا يضعونه على الأرض فهو دائما محمول على أكتفاهم".
وتضيف، "محبة ومعاملة خاصة جدا لعامر مقارنة بأحفادي الآخرين، فهو محروم من حب وحضن والده، وعلينا نحن أن نحاول تعويضه هذا الحب (..) حتى الآن حضن رأفت ابنه عامر أربع مرات فقط".