شبكة قدس الإخبارية

81 عامًا على شرارة الثورة الفلسطينية الكُبرى

حمزة العقرباوي

تستعرض هذه المدونة وأخريات لاحقات لها، تاريخ ثورة فلسطين الكبرى 1936-1939، التي أشعل فتيلها الشيخ فرحان السعدي ورفاقه من القساميين، بعد أن حَملوا المشعل الثوري من يد الشيخ عز الدين القسام الذي قضى شهيداً في أحراش يعبد في 20/11/1935 بعد أن خرج ينشد الجهاد ضد المشروع الصهيوني المدعوم والممول من الاحتلال البريطاني لفلسطين.

ثورة 1936، التي سارع الفلسطينيون للحاق بها والمشاركة في معاركها الضارية مُشكلين ملاحم في الدفاع عن الأوطان مارين بتجارب مُلهمة ومحطات جديدة تركت بصمتها على المشهد الفلسطيني بما لها وعليها.

ويأتي الاهتمام مجدداً بهذه الثورة الباسلة والتضحيات الفريدة من تاريخ أمتنا وشعبنا البطل مع مرور 100 عام على الوعد المشئوم وعد بلفور، "وعد من لا يملك لمن لا يستحق".

ولأننا لا نزال نرزح تحت نير الإحتلال ونعاني من غطرسته وظلمه نستحضر ثورة الشعب وبطولته وتضحياته، آخذين العبرة ومستلهمين الدرس من سجل البطولة المجيد.

شرارة الثورة الكُبرى 1936

 كانت البلاد على وشك الانفجار وتغلي بشدة رفضاً لسياسة الانكليز المنحازة لصالح الصهاينة وتوطينهم في فلسطين، لكن من يُعلق الجرس ويأخذ بيده زمام المُبادرة بَعيداً عن سياسة الأحزاب التي كانت مشغولة بتشكيل وفد المفاوضات إلى لندن ولقاءاتها المكوكية من المندوب السامي وممثلي الانتداب على أمل انتزاع حقوق سياسية للعرب.

في ليلة عادية وبلا سابق إنذار قُرِعَ الجرس وأشعلت الشرارة وسط دياجير الظُلمة مُعلنةً ميلاد عهدٍ من الكفاح في تاريخ فلسطين، وكان الشّعار يومها "الثأر لمقتل الشيخ عز الدين القسام" وكان ذلك في 15/4/1936 في الوقت الذي كانت الحشود تهتف غاضبة ضد الاحتلال البريطاني في موسم النبي موسى شرق القدس صائحة:

حنتين الحنا الحنا .. ضرب البارود يلبق إلنا

حنتين لأبو صالح .. وإحنا رجال ما نصالح

حنتين الحنا الحنا .. والانكلـيز ترحل عنـا

حنتين الحنا الحنا .. والثـورة نشـعلها إحنـا

كانت عقارب الساعة تُشير إلى الدقيقة 20 بعد الساعة الثامنة مساءً حين توقفت سيارة قادمة من حيفا تُقل أربعة مُسافرين عبر طريق طولكرم نابلس- بالقرب من نور شمس عنبتا، توقفت عاجزة عن اجتياز الطريق التي أغلقت بعشرة براميل إسفلت. وظهر أمام الركاب أربعة مُلثمين خرجوا من بين المزروعات شاهرين سلاحهم بأيديهم متابعين توافد السيارات وتوقفها الإجباري.

تقدم أحد هؤلاء المُلثمين طالباً من الركاب التبرع بما معهم من أموال لأجل الجهاد وشراء سلاح ورصاص لمقاومة الانكليز والثأر للشيخ عز الدين القسام وإخوانه الشهداء، ثم راحوا يسألون الركاب: هل بينكم يهود؟ هل بينكم انكليز؟ هل بينكم سمسار أو بائع أرض لليهود؟

حتى وصلوا إلى سيارة شحن كبيرة محملة بالدجاج تبين بأنها سائقها يهودي من تل أبيب وبجانبه تاجر من اليهود الوافدين إلى يافا. فأطلق الثوار 5 رصاصات عليهما وتركاهما صرعى مضرجين بدمائهم. وتلاهما يهودي ثالث أُطلقت عليه النيران. فعلوا ذلك وقبل أن يُغادروا وَيُخفيهم ظلام الليل في جبال نابلس طلبوا من الركاب الإبلاغ عما فعلوه.

لقد شكلت هذه العملية حدثا هز البلاد وصارت حديث الناس جميعهم وتناقلت الناس أخبار العملية وما جرى من حوار بين الملثمين الأربعة والركاب. وكأن البلاد كانت تنتظر هذه الشرارة كي تخرج عن صمتها الطويل. وقد أذيع بلاغٌ رسمي ناسباً الحادث لعصابة قطعت الطريق وقشّطت الركاب أموالهم وقتلت مواطنين اثنين وجرحت ثالث.

وبعد هذه الحادثة تسارعت الأحداث وكشفت عن المستور وخرجت الأمور عن السيطرة وبات واضحاً أن الخصم قد استعد للمعركة مُبكراً، وأن عمليات التسليح والتدريب من قبل اليهود قد اكتملت وأن شُحنات الأسلحة التي تم تهريبها لليهود مكنتهم من امتلاك قوة لمجابهة العرب. وقد سارع مسلحون يهود لمهاجمة عمال عرب في أشغالهم في منطقة جسر العوجا بالقرب من مستعمرة "ملبس" وقتلوا اثنين منهم.  ثم حاولوا الاعتداء على العمال في يافا أثناء تشييع جنازة قتلاهم في حادثة عنبتا- نور شمس. وهاجموا السيارات العربية والمحلات والباعة في يافا.

وبذلك توالت الأحداث والاضطرابات بين العرب اليهود وانتشرت الإشعاعات عن اعتداءات وأحداث جرت في يافا – تل أبيب خلال أسبوع كامل استخدمت الشرطة وقوات الانتداب كامل قوتها للسيطرة على البلاد وأعلنت منع التجول ليلاً، وأعلنت حالة الطوارئ في محاولة لإنهاء حالة الغليان التي دفعت بالعرب للثورة وردّة الفعل الغاضبة.

 وبدأت المدن والقرى الفلسطينية تغلي لما يصلها من أخبار وإشاعات عن اعتداء اليهود على أهالي يافا وكانت حادثة عنبتا – نور شمس البطولية مُلهمة ومفجرة لكوامن النفس من غضب على سياسة الانكليز المنحازة.

وبهذه العملية بدأ التأريخ لمرحلة جديدة من تاريخ الكفاح الفلسطيني وهو ما سيعرف باسم الثورة العربية الكبرى في فلسطين 1936-1939 والتي أشعل فتيلها الشيخ فرحان السعدي ورفاقه. وقد سطر الشيخ فرحان عنوان المرحلة برسالته التي كتب فيها: (نقوم بالواجب في سبيل الله، بدأنا وسوف ننتصر).

يتبع..