لم يغب عنّا يومًا دور الكتاب في الحياة الإنسانية، فقد نحى العرب القدماء منذ الجاهلية مناحٍ كثيرة في الأدب والقصص والشعر وقد وصلت هذه الأعمال إلى أقصى درجات النضح والنجاح، فمن منا لم يسمع بعنترة وأبي تمام والمتنبي وزهير بن سلمى وغيرهم الكثير.
استطاعت هذه الأسماء جميعاً أن تدخل التاريخ وتخلد فيه، ذلك أنها احترفت الكتابة بدافع العشق لها لا للشهرة والمجد، وهذه نقطة الخلاف التي نعاني منها في أيامنا هذه.
ساهمت مواقع التواصل الإجتماعي وبشكل كبير في نقل الحياة الأدبية الورقية إلى حياة رقمية جامدة، -ولا أقصد بهذا تحويل الكتاب والمشاعر إلى لغة أرقام وإن كنت أبغضها قليلاً- بل أقصد إندفاع الشباب إلى العبارات المبهمة ركيكة المعنى وضعيفة البنية والتي لا تسمن أو تغني عن جوع.
باتت مواقع التواصل هذه تحوي الكثير من الفلاسفة والمفكرين والشباب المثقف الذي اذا أطرقت له أذانك سُعدت وإذا فتحت له عيناك متابعاٌ فُجعت، فحين ترى العدد الكبير الذي يزور معارض الكتاب تنتابك فرحةٌ عارمة لكنها سرعان ما تزول حين ترى أي الكتب يختار هذا الجيل الشاب!
لست أدري إن كان الكاتب هو المُلام أم القارئ الذي يدفعه لكتابة كلامات ساذجة والإتجاه نحو الرواية البذيئة التي قد ترضي هذا المراهق وذاك، أم إن الكاتب هو من وقع في شرك الشهرة فاختار الطريقة الأسهل ليرضي العدد الأكبر من رواد هذه المواقع والذين لا يعنيهم من الكتاب شيء سوى الغلاف وبعض جملٍ مبتذلة.
هذه الفئة التي ظهرت جليًا في الأونة الأخيرة، تراهم ينسبون الجمل لغير قائليها، ويعيدون نسخ العبارات دونما إدراكٍ لمعناها، سهولة تداول هذه المعلومات جعلها تفقد كل ما فيها من مشاعر صادقة وأفكارٍ متعددة، بل باتت جملاً صماء تحاول البوح دونما جدوى.
لكن هذا لا ينفي مسؤولية الكاتب الذي لكي يجلب لنفسه الشهرة الواسعة في أوساط الشباب ينحى منحى المتخاذلين ويركض خلف نماذج أدبية لا تتعدى الإستعراض اللغوي، فتجده يأخذ الطريق الأقصر ويطالب بكل براءة بحرية الأدب، متناسياً أن الأدب الذي يقتات منه لا يُزهر إلا إذا كان ذا قيمة فكرية وأخلاقية عالية.
لا أقلل في كلامي هذا من قيمة أحد لكن كل ما أسعى إليه هو الرقي في اختياراتنا الأدبية فهي لا تعكس الذوق الشخصي فحسب بل تساهم في ظهور فئة دخيلة على الأدب، تشوهه أكثر مما تضيف له.