شبكة قدس الإخبارية

غزة الجميلة بعيدًا عن الحرب

هنادي العنيس

غزّة- خاص قُدس الإخبارية: القلب يبكي والوجه يبتسم، حكاية لسكان تحمل أصواتهم ألحان حزينة وعيونهم مشاهد ممزقة، وأياديهم أطفال من أجيال مختلفة منهم من ولد في الحرب مرة ومنهم من عاشها حتى أربع مرات. من يقنعهم غدًا أن الخيمة لم تكن وطنًا أصيلاً؟ أن الخبز لم يكن هوية؟أن  الكابوس الذي كبر معهم لم يحدث وهم نيام وإنما كان واقعًا شاهدوه وسمعوه وخاضوا فيه أدق التفاصيل؟

أطفال يشعرون بالفضول أمام عالم يجمع أسباب عديدة للحزن ويريدون أن يفهمومه وأكبرهم لا يزال في العاشرة من عمره، يريد أن يكبر بسرعة هو الآخر!

في حياة أطفال الحرب، ينشأ العديد منهم على اقناع أن الكآبة التي رسختها الحرب، إضافة إلى البؤس والآلام المكتومة، من الأشياء الطبيعية تمامًا كتعاقب الفصول. بل ومنهم من يقتنع أن التعاسة التي تقطر من الجدران تعبر عن روح المدينة الجريحة.

من إحدى مكائد الطفولة أن الطفل لا يفهم بالضرورة ما يعانيه، وحين يبلغ سن الرشد يفوت الأوان على مداواة جراحه بعد أن وجد بعض الحقائق، كأن لا أحدًا يصبح شريرًا إذا هو لم يرد. وبذلك تكشف الحرب عن آثارها حول أجيال تنطوي على ذكريات ضارة وصور لأكثر الجرائم بشاعة.

في غزة، هناك المئات ممن  لهم أصوات خشنة وملابس رثة، أولئك الذين لا يستطيعون الوقوف على مسارح العالم الضخمة، اكتفوا بدمى من القطن ليتحدثوا وللمرة الأولى كيف أن الأمر لم يكن سهلاً وكيف أنهم لم يختاروا يومًا أن ينادى عليهم بأطفال الحرب، في كوكب سيكون من الممتع جدًا أن تكون فيه على قيد الحياة.

هؤلاء الأطفال لا يكذبون أبدًا، ولأن كل شخص في العالم مهم، فهؤلاء الأطفال مهمون بالمثل أيضًا.

تخلف الحرب ورائها آلاف الأطفال الذين ينتظرون فرصهم ليجدوا طاقاتهم البشرية كاملة، نعطيهم ظهورنا نحن أيضًا من أجل التركيز على أشياء نحسب أنها أكثر أهمية، يمكن للجميع قول هذا، ولكن يصعب اثبات الأمر والعمل عليه بصدق حقيقي، ليتفاقم الوضع السيء ويزداد سوءًا.

يسمعون أصواتًا غير التي يعرفها الآخرون ممن هم في مثل سنهم، تزداد الأصوات ارتفاعًا، ولكن سرعان ما يستوعب سامعوها أنها ليست حقيقية. وعلى الرغم من هذا، تستمر في زيارتهم عدة مرات في اليوم وحتى في نومهم، فيختارون الصمت وأن لا يخبروا أحدًا. وبهذا لن يجدوا أبدًا طريقة ليعبروا بها عن أنفسهم.

تشير الإحصائيات أن 85% من الأطفال الفلسطينيين أصيبوا باضطرابات نفسية نتيجة العنف الإسرائيلي، بينما 82% من أطفال قطاع غزة تعرضوا لصدمة نفسية نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة 2008-2009، 40.7% منهم يعانون من اضطرابات انفعالية مثل التبول اللاارادي، القلق والتصرف. في حين أن 67% من هؤلاء الأطفال يعزفون عن ممارسة ألعاب ترفيهية نتيجة الانعكاسات النفسية التي خلفها العنف الإسرائيلي.

في الحرب جميعنا نخسر خسائر فادحة، هذا النوع من الخسائر خارج عن السيطرة، ويجعلنا نجثو على أقدامنا.

وفي مسرح الدمى، تخرج فكرة واحدة لا يستطيع فهمها إلا من عانى، فكرة أخذ فرصة لإيجاد شيء جميل من رحم المعاناة والألم، شيء ما في المجهول، في غير المتوقع، وحتى في الفظيع.

محمد نتيل المشرف العام على فعاليات (قصة حياة)، يدعو ما يقوم به من خلال مسرح الدمى للأطفال بالجزء الجميل من حياة المجتمع الفلسطيني عبر طرح القضايا المجتمعية ومعالجتها عن طريق الفن، معلقًا: أعتقد أن الحقيقة هي أننا جميعًا جزء من هذا، كنت واحدًا منهم ولم يكن من داع أن أقول أو أفعل أي شيء لإثبات وجودي، والشيء الجيد في ذلك أننا يمكن أن نكون جزءًا من الحل. ويتابع، نحن مدينون لبعضنا البعض، لأطفالنا، ولبلادنا بأن نتواصل ونحاول أن نترابط، وإن فكرتم في هذا، فهو أقل ما يتوجب علينا فعله تجاه أطفالنا.

وفي هذا المسرح الملهم يثبت محمد بالدمى وبشكل خاص كيف لها أن تسمح للأطفال بأن يكشفوا عما يطاردهم وفي النهاية يساعدهم على التخلص منه.

وكأنما يثبت مسرح الدمى أن الفن لا يصمت أمام الأشياء المريعة وإنما يواجهها بالتحدث عنها، وبالبحث عن إجابات لأسئلة مثل: من أنا؟ أين أريد أن أعيش؟ هل هناك فائدة من الإيمان بدولتي؟

المسرح الذي ينفض عن الأطفال حزنهم، يعلمهم الاستيقاظ قائلين: يجب أن نكون في هذا العالم كي نبدأ في العمل، ويحول من خلالهم الأرض إلى جنة.

هو شيء مختلط من مشاعر وذكريات لها صبغة باللون الأحمر ورائحة ممزوجة بالرصاص، شيء مررنا به جميعاً، إلا أن نتيل تمنى أن تكون تجربته عونًا لأحدهم في تعلم بعض مهارات النجاة التي كون من خلالها عالمه الخاص.

يقول، دائمًا ما أبحث عن جديد لأضيفه وهناك كنت أجد طريقي في كل مرة، كنت متلهف ومندفع وأحظىء بالتوفيق والتقدير، كان لدي هذا الكوكب الكبير الذي صنعته، وأحب شرب قهوتي فيه.