نابلس- خاص قدس الإخبارية: الطرق إليه كلها مغلقة، ووصوله لا يكون إلا تحت زخ الحجارة، فعيون شباب قرية سبسطية الأثرية تحرس المكان على مدار الساعة، كيف لا والسارق يحوم محاولا انتزاع ما يلوح بالأفق مثبتا هوية القرية.
فعلى أعلى تلة في قرية سبسطية الأثرية شمال غرب مدينة نابلس، سارية مفجرة، وعلم ممدد ينتظر من يرفعه مجددا، فبعد محاولات عدة، ها هو المحتل يصل التلة في ٣٠ كانون ثاني، ويضع جل غضبه هذه المرة بزرع المكان بالمتفجرات، ثم تفجير السارية.
عام ٢٠١٥ رفع أهالي قرية سبسطية العلم الفلسطيني على أعلى تلة في قريتهم مثبتين "فلسطينيتها"، تزامنا مع حملة لرفع العلم الفلسطيني على المناطق المرتفعة احتفالا بقبول فلسطين كدولة عضو رقم ١٩٤ في الأمم المتحدة، لتبدأ معارك يومية في المكان، تُفتتح بإزالة قوات الاحتلال العلم، وتنتهي برفعه مجددا من قبل شبان القرية.
زيد الأزهري، أحد الأدلة السياحين الشباب في قرية سبسطية يروي لـ قدس الإخبارية، أن التلة المرفوع عليها العلم هي أعلى تلة في قرية سبسطية، وهي تلة مصطنعة تشكلت بسبب نقل الأتربة وتراكمها إثر عمليات حفريات على الآثار في القرية عام ١٩٠٨ نفذتها بعثة من جامعة "هارفرد".
إلى الطرق الفرعية المحيطة بالمكان، يشير الأزهري مبينا كيف نقل الشبان الحجارة الكبيرة وأغلقوا بها كل المداخل المؤدية إلى الآثار في المنطقة، كذلك الطريق المؤدية إلى العلم الذي بات يحتل نفس مكانة الآثار لأبناء سبسطية.
ويعلق، "زراعة العلم هنا هو لإثبات السيادة الفلسطينية على قرية سبسطية.. ولن نسمح بإزالته فهو بات جزء من القرية وأحد معالمها المهمة"، مؤكدا على أن جنود الاحتلال والمستوطنين الذين يقتحمون المكان يقومون دائما بزرع أعلام إسرائيلية على أراضي القرية وفوق آثارها في خطوة لتهويدها وتزييف هويتها.
وبين الأزهري أن الاحتلال يتفنن بقلع العلم، فبعد عدة محاولات لإنزاله، نصب شبان القرية سارية ثابتة ليرد جنود الاحتلال عليهم بقص السارية، وفي المرة الأخيرة قاموا بتفجيرها.
لم يمر يوم قلع الاحتلال للعلم مرور الكرام أو بسهولة، فشبان القرية الذين يحرسون المكان يحرمون اقتحامه إلا بعد أن يدفع جنود الاحتلال الثمن، يعلق الأزهري، "قبل أن يخرج جنود الاحتلال من القرية، يكون الشبان رفعوا علما جديدا على التلة.. فهو بات مسؤولية فردية تنبع من داخل كل شاب من أبناء القرية".
وسائل الإعلام الإسرائيلية تناقلت أخبارا عدة حول العلم الفلسطيني المرفوع في قرية سبسطية، وقد أفردت له مساحات خاصة للتحريض على نزعه ومعاقبة المسؤولين عن رفعه، تحت ادعاء أنه مرفوع على "حديقة وطنية إسرائيلية" تخضع لإدارة سلطات الاحتلال.
فيما طالب مجلس المستوطنات من جنود الاحتلال الوجود الدائم في المنطقة ومنع وضع أي سمات "عربية"، حيث أن العلم يرفرف أمام منزل ما يسمى رئيس مجلس المستوطنات "يوسي داغان".
داغان وفي تصريحات إعلامية عديدة له، وصف العلم أنه يشكل "خطرا على الآثار في سبسطية" مدعيا، أن القرية هي "حديقة وطنية إسرائيلية لا تقدر بثمن" وقد أعرب عن الخوف المتزايد من المقاومة الفلسطينية في القرية وحفاظها على آثارها.
فيما يقول محمد عليوي أحد شبان القرية لـ قدس الإخبارية، إن ما يستفز الاحتلال هو رفع العلم فوق أعلى تلة في المنطقة المقابلة لمستوطنة "شافي شمرون"، وهو ما دفع جنود الاحتلال لاقتلاع العلم للمرة الـ ٥٥ حسب تقديراته.
لا يمر يوم على قرية سبسطية دون أن يتم اقتحامها من جيش الاحتلال الذي يعربد ومستوطنوه في المنطقة الأثرية بالقرية، يوضح محمد أن ما أثار خوف أهالي القرية وخاصة شبانها ما ورد في تقارير إعلامية إسرائيلية عديدة من إشارت إلى سبسطية كونها جزء من حدائق مزعومة للاحتلال، ما ينبأ بسعي الاحتلال للاستيلاء بشكل كامل على آثار القرية، "كشباب نرى أن من واجبنا ومسؤوليتنا الحفاظ على القرية وآثارها، ورفع العلم الفلسطنيي هو جزء من مقاومتنا لمحاولات الاحتلال الاستيلاء على القرية" علق محمد.
ويروي محمد أن شبان القرية يغلقون ويعملون دائما على إغلاق المداخل الفرعية للمنطقة الأثرية لقرية سبسطية لعرقلة وصول جنود الاحتلال والمستوطنين، "حتى الأطفال الذين لم يتجاوزوا العشر سنوات، عندما يغيب شبان القرية يكونون هما الحماة لسبسطية، يغلقون الطرق ويلقون الحجارة ويتصدون لاقتحامات جنود الاحتلال والمستوطنين".
أما عن قمع الاحتلال لشبان القرية، فبين محمد أن جنود الاحتلال باتوا يتعمدون إطلاق الرصاص الحي على أقدام الشبان، فيما يشن الاحتلال حملات اعتقال بين الحين والآخر تستهدف الشبان ويلفق لم لوائح اتهام تدين مقاومتهم لاقتحامات جنود الاحتلال والمستوطنين.
معتصم عليوي الناطق الإعلامي باسم بلدية سبسطية أكد لـ قدس الإخبارية، على أن هناك تخوفات من استيلاء الاحتلال على المنطقة الأثرية في قرية سبسطية، ومنع أهالي القرية من رفع العلم الفلسطيني على المنطقة هو أحد المؤشرات.
ولفت عليوي إلى أن أهالي القرية يناشدون بشكل متواصل السلطة الفلسطينية لدعم صمودهم وحفاظهم على قريتهم الأثرية في ظل اشتداد الهجمة الإسرائيلية على سبسطية وما يرافقها من هدم منشآت ومنازل ومنع الأهالي من البناء والتوسع.
وعن اقتلاع الاحتلال العلم الفلسطيني من أراضي قرية سبسطية، قال عليوي: "أهالي سبسطية من حقهم رفع علمهم على أراضهم، بعد أن رُفع في المحافل الدولية وفي كل بقاع الأرض، إلا أن طمع الاحتلال بآثار سبسطية يمنع إضفاء أي سمة فلسطينية على المنطقة".
الاحتلال ومنذ وقوعه وهو يخشى رفع العلم الفلسطيني، فالسجن ستة شهور كان عقاب كل شاب يدان برفع العلم الفلسطيني، كما أطلق جنود الاحتلال في الكثير من الأحيان النار على شبان ارتقوا شهداء خلال رفعهم للعلم، فيما يبدو أن مرور السنوات لم تغير من سياسات الاحتلال قمعية، والاعترافات الدولية بالحق الفلسطيني لا يعني له شيئا.