يثور جدل متواصل لدى مختلف الدوائر المهتمة بشؤون الأسرى الفلسطينيين حول أثر وجدوى الإضرابات الفردية التي ما زال يخوضها عدد من الأسرى في سجون الاحتلال منذ أكثر من عام. ذلك أن إضرابات الحركة الأسيرة على مرّ تاريخها كانت جماعية، ولم تكن في محطاتها المختلفة تبلغ تلك المدد الطويلة التي يمضيها الأسرى بإضراباتهم الفردية. ورغم أن الرأي المعارض للإضرابات الفردية فيه قدر من الوجاهة كونه يرى ضرورة أن تظل تحركات الحركة الأسيرة موحدة وذات غايات محددة، إلا أنه لا بد من ملاحظة اختلاف دوافع الإضرابات الجماعية عن الفردية، فالأولى كانت دائما تهدف إلى تحسين ظروف الاعتقال لا إلى الحصول على الحرية، وكان آخرها إضراب الكرامة في نيسان الماضي والذي كان من أبرز إنجازاته إنهاء عزل غالبية الأسرى المعزولين باستثناء ضرار أبو سيسي، ورفع الحظر عن زيارات ذوي أسرى قطاع غزة والتي كانت متوقفة منذ عدة سنوات. أما غالبية الإضرابات الفردية، والتي يعدّ الشيخ خضر عدنان مشعل شرارتها فهي تهدف للتحرر من الاعتقال، أو إنهاء الاعتقال الإداري، أو على الأقل ضمان عدم تمديده، وإن كانت هناك حالات لم تؤدّ فيها الإضرابات الفردية إلى إنجاز هدف الأسير فإن غالبيتها –وإن طالت- أفضت إلى حرية حقيقية، فعلى سبيل المثال نجح إضراب خضر عدنان وثائر حلاحلة وبلال ذياب وحسن الصفدي ومحمود السرسك وغيرهم بوضع حدّ لاعتقالهم الإداري، كما نجح إضراب أيمن شراونة بالإفضاء إلى خروجه إلى غزة، وهو أحد محرري صفقة وفاء الأحرار وكان مهدداً بالعودة لحكمه السابق بعد إعادة اعتقاله، وبعد إضرابه الطويل الذي استمر أكثر من 200 يوم تم التوصل لتسوية بتحريره إلى غزة. ولا أعتقد هنا أن الخروج إلى غزة أمر يجب أن يلام عليه الأسير إن كان البديل العودة للحكم بالسجن المؤبد. الأمر ذاته يحصل الآن من الأسير أيمن أبو داود من الخليل، وهو كذلك أحد محرري الصفقة، ومهدد بالعودة لحكمه السابق (35 سنة)، والمأمول ألا يمرّ شهر أو أكثر على إضرابه قبل البدء بتفعيل قضيته، كما حدث قبله مع أيمن شراونة وسامر عيساوي. على الصعيد الميداني والإعلامي، ساهمت الإضرابات الفردية بإدامة حضور قضية الأسرى في الإعلام وتعزيز التفاعل الميداني معها، بعد أن غدت هناك حالات متجددة متوزعة على مختلف المناطق، وهو ما وسّع حالة التضامن الميدانية مع الأسرى (رغم أنها ما زالت متواضعة)، لكنها كانت فيما سبق تكاد تقتصر على مناسبات موسمية كيوم الأسير كل عام. الإضراب ليس بالأمر الهيّن على النفس ولا يقدر عليه أي أسير، وبالتالي لن يقدم عليه إلا المضطر إليه، ومن هنا، فما من داعٍ للتخوّف المبالغ فيه من اتساع ظاهرة الإضرابات الفردية، بل المهم التفكير الجديّ في آليات تضامن وإسناده لها من خارج السجون تسهم في تقليل أيام الإضراب وعدم بلوغها مدداً طويلة، كما حدث مع سامر عيساوي.