في أعراس اللبن الشرقية، القرية التي تتوسط الطريق بين مدينتي نابلس ورام الله، يتم إطفاء حارتين منذ المساء وحتى الواحدة ليلا، بمعدل خمس ساعات في اليوم، حتى الانتهاء من الحفل، ورغم ذلك ينقطع التيار الكهربائي، بسبب الضغط على المحول الرئيسي، رغم أن الأمر كله حفل صغير لا يعني الكثير أمام المشاريع الضخمة التي تحتاج إلى طاقة كبيرة.
هم الأعراس، هو الهم الصغير بين الهموم التي يسببها انقطاع الكهرباء من قبل الاحتلال عن المناطق الفلسطينية، لأسباب أبرزها عدم مد تلك المناطق بالقدرة الكافية من التيار الكهربائي، لتظل الحياة فيها مرهونة بالوضع الاقتصادي والسياسي والأمني.
وينسحب حال الأفراح والأتراح على جوانب أخرى في حياة المواطنين بالقرية، فالنساء والأطفال وبعض الشيوخ ممن يبحثون عن ضوء ولو خافت ليكملوا طريقهم نحو بيت أو مسجد ما، يخشون الخروج من منازلهم بعد حلول المساء، فالعتمة تتسيد الشوارع، ما خلا بعضها، فالحارة التي تحتاج مثلا إلى 20 عمود إنارة يعمل بها فقط من أربعة إلى خمسة أعمدة.
وللمشكلة أبعاد أخرى أيضا، فمن يفكر ببناء منزله بعيدا قليلا عن بيوت المواطنين، فإن عليه أن يضع في حسبانه سنوات حتى يصل إلى منزله التيار الكهربائي، ومع كل محاولة لأهالي القرية حل أزمتهم القديمة- الجديدة، يصطدمون بقرار الاحتلال الرافض رفع قدرة الطاقة الكهربائية للمنطقة.
وعلى بعد شارع واحد من القرية، ترى الأنوار الباهرة داخل مستوطنتي "عيلي" و"معالي لبونه" المقامتين على أراضي القرية، فالشركة القطرية الإسرائيلية مسؤولة عن تزويد اللبن بالكهرباء، لكن حصتها تكاد لا تصل إلى حصة أصغر شارع التفافي يحيط بالمستوطنة.
وما يحّز في نفس المواطن رجا عويس، أحد سكان اللبن الشرقية، إن "كمية الإنارة التي تحيط بالمستوطنتين، التي يستغلها المستوطنون لإنارة الشوارع الترابية وأطراف الجبال، تكفي حاجة أكثر من 4 آلاف مواطن يسكنون في اللبن". باختصار: "إنهم يسرقون حصتنا لصالحهم" يقول عويس.
وتقتصر إنارة القرية هذه الأيام على 50 "كشاف" إنارة، تعمل منذ المساء حتى منتصف الليل، لتشغل مرة أخرى وقت صلاة الفجر فقط، بينما حاجة القرية الفعلية تصل لـ200، فيما أنوار مستوطنة "عيلي" تعمل قبل غروب الشمس حتى شروقها.
مشاريع صغيرة في القرية أجهضت في مكانها بسبب ضعف الإمكانيات، فمعمل البوظة الذي أقيم في اللبن لم يقاوم أكثر من سنتين بسبب حاجته لقدرة تيار عالية، بينما أفشلت عشرات المشاريع الصغيرة وهي في طور التفكير لذات السبب.
المشهد المتناقض بين المستوطنتين والقرية، يثير أهالي اللبن ويستفزهم. يتذكر عويس كيف ظل لسنوات يتناول طعام الإفطار في رمضان، "على العتمة"، لأن المجلس المحلي كان مضطرا لتوزيع الكهرباء على حارات القرية بالتساوي، بحيث تكون حصة كل حارة ساعة على الأكثر.
وليس هذا وحسب، فالعمال الذين يعملون داخل أراضي عام 48، يستطيعون أن يلمسوا الفارق بين الأضواء المبهرة هناك، والعتمة في الضفة.
فقبل عام ونصف انتقل الشاب براء الفار من مدينته جنين، للعمل في حيفا اختصر براء حديثه: "إننا كمن يذهب الى عالم آخر.. علما أن المسافة بين جنين وحيفا نحو الـ50 كيلومترا".
يسترسل الفار في حديثه :"إن العامل ما إن يعبر حاجز الجلمة، وهو المدخل الوحيد للعمال الفلسطينيين في الداخل المحتل، حتى تسرق ناظريه الأبراج الضخمة وإنارات الشوارع والأعمدة الكهربائية".
"حتى الشوارع الصغيرة والفرعية في حيفا تضيء حيا كاملا من أحياء جنين التي تعاني كأكثر مناطق الضفة من قلة الكهرباء" يضيف.
ولعل الواقع بين الظلمة والنور في فلسطين المحتلة.. وبين البلدات "الفقيرة" بالكهرباء والمستوطنات المجاورة "المشبعة" بها، لا يحتاج الى كثير من الدلالات، غير أن ما يزيد الظُلمة، تصريحات وتهديدات المسؤولين الإسرائيليين الدائمة بقطع الكهرباء عن الضفة بالكامل، وآخرها ما هدد به رئيس شركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية "يفتاح تال" بقطع التيار الكهربائي عن المناطق الفلسطينية.
تستورد الضفة الغربية ما نسبته 98% من الكهرباء من الجانب الإسرائيلي، حيث تعمل حاليا بقدرة 850 ميغاواط، بحسب نائب رئيس سلطة الطاقة ظافر ملحم، لكنه يؤكد أن الحاجة للكهرباء أكثر من المتوفر بكثير.
ويتوقع ملحم أنه في عام 2020، ستكون الضفة بحاجة لنحو 1500 ميغاواط من الكهرباء، بفعل الزيادة الطبيعية في عدد السكان، وازدياد النشاطات الاقتصادية، وارتفاع عدد المصانع العاملة.
المصدر: الوكالة الرسمية (وفا)