نابلس - خاص قُدس الإخبارية: جسد هزيل لا يقوى على الحركة، أمراض تنهش جسده، واحتلال يحاول أن ينال من عزيمته وقوته، لكنه رغم ذلك يمتلك الأسير بسام السايح إرادة عالية، وروح تقاوم سجّانها، فابتسامته رغم كل آلامه وأوجاعه لم تغيب يوما.
بسام السايح (43 عاما) من مدينة نابلس، درس في جامعة النجاح تخصص صحافة وإعلام، وأكمل الدراسات العليا في تخصص العلوم السياسية، عمل في عدة وظائف وشغل منصب مدير عام صحيفة فلسطين في الضفة الغربية قبل إغلاقها، وتزوج عام 2007 من منى أبو بكر.
في عام 2011 اكتشف السايح أنه مصاب بمرض سرطان العظم، ليبدأ مرحلة العلاج الكيماوي ولم يكد جسده المنهك من الجلسات أن يتحمل المزيد من الأوجاع حتى اكتشف بعد عامين أنه مصاب بمرض سرطان الدم النخاعي الحاد، ليتم مضاعفة الجرعات الكيماوية والتي أدت لقصور حاد في عضلة القلب.
مرض السرطان أدى أيضا لإصابته بهشاشة عظام، والتهاب رئوي حاد تماثل للشفاء منه عقب سفره إلى الأردن والخضوع للعلاج برفقة زوجته.
فصول المعاناة
معاناة السايح لم تقف عند هذا الحد، ففي شهر نيسان العام الماضي اعتقلت قوات الاحتلال زوجته أبو بكر، وكانت محكمة الاحتلال تمدد اعتقالها في أكثر من جلسة، وخلال تلك الفترة كان زوجها بسام يصر على الحضور رغم وضعه الصحي، فكان يعتبر أن وجوده يمدها بالقوة، إذ لطالما كانا يساندان بعضهما في الشدائد.
في الثامن من شهر أكتوبر العام الماضي كانت منى تجلس على مقعد حديدي في قاعة المحكمة تنتظر قدوم زوجها، لتراه يضحك لها ويهنئها بعيد ميلادها، لكنها بقيت تنتظر دون أن يدخل بسام لتعلم لاحقا أن جنود الاحتلال اعتقلوه خلال توجهه لحضور الجلسة.
لم يكن ذلك الاعتقال الأول لبسام، ففي عام 2002 اعتقله جنود الاحتلال وأمضى في الاعتقال الإداري عام ونصف، لكن في اعتقاله الثاني وجه الاحتلال لبسام تهمة المشاركة في عملية "ايتمار" التي نفذها مقاومون من حركة حماس في الأول من أكتوبر العام الماضي، ولم يصدر بعد حكما بحقه.
نصف حرية
الثاني والعشرون من شهر تشرين الثاني أفرجت سلطات الاحتلال عن منى بعد قضاء 7 أشهر في سجون الاحتلال، في حين أن زوجها يقبع في التحقيق لا تعلم عن وضعه الصحي، وبعد يوم من تحررها عُقدت جلسة محكمة لبسام ورغم التعب ذهبت لرؤيته، وعندما رأها رفع يده شاكرا الله وقال:" أنا الآن ارتحت إنك صرتي حرة، احنا مروحين تفائلي". وعقب أسبوعين اقتحم جنود الاحتلال منزل السايح وسلموا زوجته اخطارا بهدم المنزل.
في التحقيق، لم يكترث المحققون لوضع بسام الصحي، فأخضعوه لتحقيق عسكري قاس أدى لحدوث انتكاسة خطيرة على وضعه الصحي، ووفق إفادته التي أدلى بها لهيئة شؤون الأسرى قال: إنه تعرض للشبح خلال التحقيق في مركز توقيف بيتاح تكفا، إذ تم شبحه في بعض الأحيان لفترة تزيد عن 18 ساعة متواصلة وهو مكبل اليدين، وكان المحققون يتعمدون ضربه والضغط على عظامه خصوصا منطقة الحوض مما سبب له آلام حادة.
وأضاف السايح بأنه تعرض لمحاولات خنق أثناء التحقيق والضغط على صدره، الأمر الذي أدخله في غيبوبة عدة مرات، وأدى لحدوث إشكاليات له في التوازن والأعصاب، وفقد قدرته على الكلام بالشكل الطبيعي.
وأوضح أن المحققين هددوه أكثر من مرة بأنهم سيقتلونه كما قتلوا الأسير الشهيد زهير لبادة. مبينا أنهم احتجزوه في زنزانة ضيقه لأكثر من 10 أيام، وكان الأكل سيئا للغاية ولم يعطوه أية علاجات لأمراضه المزمنة والتي تضاعف خطرها منذ الاعتقال".
في الأسر، أصبح الوضع الصحي لبسام خطيرا ففي عدة بيانات حذرت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير بأن السايح معرض للموت الفجائي، فهو أصبح غير قادر على المشي ويحتاج لكرسي متحرك، وزادت نسبة القصور في القلب 20% ليصبح قلبه يعمل فقط بنسبة 15%، كما أصيب مجددا بالتهاب رئوي حاد وهو بحاجة ماسة للدواء.
تقول منى:"بسام لا يستطيع النوم ممددا على السرير، وذلك لأن رئته قد تتوقف، فهو يجب أن ينام في وضعية الجلوس، فقرر الأسرى التناوب ليلا، كل بضعة ساعات يجلس أحدهم بجانبه لينام على صدره في حين يسهرون هم على راحته".
ولأن الأسرى المرضى يحتاجون إلى بيئة صحية وذلك لا يتوفر في الأسر بل على العكس، يتدهور الوضع الصحي لأي أسير ويمارس الإهمال الطبي بحقهم، والأسير بسام أحد الأسرى، فهو لا يخضع لجلسات علاج كيماوي عن طريق الوريد، بل يتم تزويده بجرعات كبيرة جدا للغاية من الحبوب.
في شهر نيسان الماضي وافقت إدارة السجون على طلب نادي الأسير بضرورة معاينة السايح من قبل طبيب فلسطيني، وبيّن الطبيب الاختصاصي سمير المطور في تقريره الطبي، أن الأسير السايح بحاجة إلى زراعة قلب إلا أن إصابته بسرطان الدم تعيق إجراء ذلك، لافتا إلى أنه يمكن استبدال ذلك بزراعة ناظمة قلبية اصطناعية له.
بسام على قيد الأمل
قبل نحو أسبوعين، توجهت شقيقة بسام لسجن الرملة لزيارته في حين أن زوجته ممنوعة أمنيا ويسمح لها بزيارته مرتين في السنة، وعندما حضر كان على كرسي متحرك يجلس بجانبه شقيقه الأسير أمجد، لكن تفاجئت شقيقته بأن بسام فقد القدرة على الكلام وكان بحوزته قلم وورقة ليتواصل معها ويقرأ لها أمجد ما يكتبه، ذلك المشهد جعل شقيقته تنهار.
بسام السايح كما تصف زوجته إنسان حنون، كريم، معطاء، يتميز بأنه مبتسما دائما في كل الظروف، جبار، وصبور جدا لذلك كان أصدقائه والمقربون يطلقون عليه اسم "أبو ايوب".
تقول منى:" قبل الاعتقال وخلال فترة علاجه أخبرني الأطباء أن بسام لن يعيش كثيرا وتبقى له نحو أسبوعين، لكن أنا وهو لم نصدق ذلك، وقال لي بسام وهو يضحك هيا نلتقط صورا لنقابلهم بها بعد أسبوعين، فالله قادر على كل شيء".