في بداية تموز الجاري، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جولته التي تشمل أربع دول في شرق أفريقيا بدأها بأوغندا ثم كينيا ورواندا واخيراً اثيوبيا. وتعد هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي منذ العام 1987. وتأتي في محاولة لتعزيز العلاقات الإسرائيلية مع دول شرق أفريقيا، حيث تركزت المحادثات على زيادة التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد. فيما ركزت تصريحات المسؤولين على قضايا التبادل المشترك بشكل أساسي.
المطامع الإسرائيلية في منطقة شرق أفريقيا تعد قليلة مقارنة بغيرها، خاصة مع انخفاض معدل التجارة البينية إذ بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى افريقيا في عام 2015 قرابة المليار دولار وهو ما لا يتجاوز 2% من مجمل صادراتها. هذا عدا عن كون العلاقات التجارية علاقات غير رسمية وتشبه كثيراً العلاقات الشخصية المباشرة.
فعلى سبيل المثال، نظم المسؤولون الأوغنديون بما فيهم الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني زيارات منتظمة إلى "إسرائيل" خلال السنوات الأخيرة. وكانت هذه الزيارات بمثابة مزود لعقد صداقات شخصية مع شخصيات إسرائيلية قوية بما فيها مسؤول الموساد السابق رافي إيتان، الذي يعد رائد الدعاية لضخ مزيد من الاستثمارات الإسرائيلية في أوغندا. ومع ذلك، ورغم كثرة الإشارات عن العلاقة الدافئة بين الطرفين إلا أن أياً منهما لا يملك بعثة دبلوماسية لدى البلد الآخر.
عاطفياً، حملت زيارة نتنياهو إلى أوغندا ذكريات كبيرة للإسرائيليين وعلى وجه الخصوص لنتنياهو نفسه. حيث تزامنت زيارته مع الذكرى 40 لعملية عنتيبي الشهيرة التي تمكنت فيها القوات الإسرائيلية الخاصة من الافراج عن 103 رهينة محتجز من قبل مقاومين فلسطينيين، وخلال تلك العملية قتل اللفتنانت كولونيل يونتان نتنياهو شقيق بنيامين نتنياهو.
علمياً، لم يقدم نتنياهو في زيارته لأفريقيا سوى عدد محدود من العروض المتواضعة لم تتجاوز قيمتها 13 مليون دولار سعياً لتعزيز العلاقات مع دول المنطقة. ستقدم هذه الأموال والمنح للملحقين الاقتصاديين الإسرائيليين في مناطق شرق أفريقيا بهدف انشاء مراكز لوكالة إسرائيلية للتعاون الإنمائي في الدول الأربعة التي شملتها الزيارة بالإضافة إلى تمويل عدد من المشاريع المختلفة أيضاً. وعليه فإن التمويل الإسرائيلي المحدود للغاية لمناطق شرق أفريقيا مقارنة بالتمويل الذي تقدمه دول الاتحاد الأوروبي أو الصين أو حتى بريطانيا والولايات المتحدة سيحد كثيراً من تأثيرات "إسرائيل" في مجالات مختلفة كالأمن والزراعة.
وكان نتنياهو قد حظي بمرافقة قرابة 80 شخصية من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين الذين مثلوا أكثر من 50 شركة إسرائيلية مختلفة.
وكان من ضمن الحاضرين المدراء التنفيذيون لأنظمة "ألبيت" المقاول الأول في إسرائيل لأغراض الدفاع العسكرية، وكذلك مدراء شركة "مغال" المتخصصة بتأمين المناطق المحيطة بالمطارات. إضافة لمدراء شركة "إيرونتيكس" المتخصصة بصناعة الطائرات دون طيار ومدراء شركة "إسرائيل للكيماويات" المنتج الأكبر للأسمدة في "إسرائيل"، ومدراء شركة "نتافيم" المتخصصة بإنتاج أنظمة الري بالتنقيط.
ولعل ادراج مسؤولي واحدة من الشركات المنتجة لأنظمة الري في "إسرائيل" هو محاولة للاستفادة من "دبلوماسية المياه"، حيث تعد مناطق شرق أفريقيا بحاجة ماسة إلى إيجاد طرق مبتكرة للتعامل مع المياه واستغلالها لأغراض الري وغيرها، وهو ما يمثل مجالاً متميزاً لـ"إسرائيل" على اعتبار أنها من أبرز الرواد في هذا المجال.
الجانب الأهم من التقنيات الزراعية بالنسبة لـ"إسرائيل" في مناطق شرق أفريقيا يتعلق بصناعة الأمن وضمان أمن "إسرائيل" القومي، حيث تملك "إسرائيل" شركات رائدة في مجال الأمن المادي والأنترنت وتملك القدرة على توفير الخبرة الفنية لدول شرق افريقيا التي تسعى الى تحسين قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب.
وفي ظل الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أجل رفع جاهزية هذه الدول لمجابهة القاعدة وداعش وأنشطتهما المرتبطة فإن إدراج شركات إسرائيلية متخصصة بأمن المطار والمناطق المحيطة بها وشركات الطائرات بدون طيار يؤكد رغبة "إسرائ" في المضي قدماً لبناء تعاون أمني مقبل.
وترى إسرائيل في مناطق شرق افريقيا كمناطق حلفاء محتملين خارج منطقة الشرق الأوسط المليئة بالاضطرابات. وعلى الرغم من مهادنة جل الحكومات لـ"إسرائيل" إلا أن النفس الشعبي العام الرافض لها وسرعة تقلب الأحدث تدفع "إسرائيل" إلى الاعتماد على دول مناطق شرق افريقيا.
وعبر تحالفاتها الأمنية تسعى "إسرائيل" إلى منع استخدام القرن الافريقي لتهريب السلاح إلى غزة، وهو ما يجعل المنطقة هناك ساحة صراع مفتوح بين فصائل غزة وداعميها وبشكل أساسي إيران وبين "إسرائيل". ويمكن وضع العلاقات الأمنية القوية مع دول كأثيوبيا وكينيا في خانة مراقبة السودان أيضاً الذي كان هدفاً سابقاً لعمليات عسكرية إسرائيلية بعد اتهامات للخرطوم بتزويد غزة بالسلاح.
هذا عدا عن التواجد الخليجي المتنامي في المنطقة، حيث باتت الإمارات مثلاً تمتلك خليج عصب في ارتيريا وهو ما يجبر "إسرائيل" على تعزيز تواجدها هناك بشكل أو بآخر ليس لدوافع اقتصادية فحسب بل حتى لدوافع أمنية وعسكرية مختلفة.
وسبق أن هدد "الإسلاميون المتشددون" في مناطق شرق أفريقيا مصالح "إسرائيل" التجارية في المنطقة – تضم المنطقة عناصر من أعضاء تنظيم القاعدة وداعش وكذلك حركة الشباب الصومالية.
فعلى سبيل المثال، سبق لمسلحين يشتبه بعلاقتهم بتنظيم القاعدة، أن هاجموا فندقاً مملوكاً لـ"إسرائيل" وعدد من الطائرات في موم باسا في كينيا عام 2002، أدى هذا الهجوم حينها إلى مقتل 13 شخص وإصابة أكثر من 80 في الفندق. ويمكن اعتبار هجوم حركة الشباب في عام 2013 على ويست جيت مول في نيروبي ولو بشكل جزئي ينبع برغبة ضرب المصالح الإسرائيلية نظراً إلى أن المركز كان مملوكاً بشكل جزئي لشركة إسرائيلية في ذلك الوقت.
وعليه فإن صغر حجم الاستثمار الإسرائيلي في افريقيا هذه المرة لن يعيقها من ان تمتلك تأثيراً كبيراً خاصة على الصعيد الأمني في المنطقة في ظل تعاون أمني عالمي كبير تحت مظلات مختلفة.