شبكة قدس الإخبارية

فلسطين بلسان سعودي

رشا حرز الله

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: كانت المرة الأولى التي يشاهد فيها الرحالة سعود العيدي العلم الإسرائيلي عن قرب، حدث ذلك عندما كان جالسا في الساحة الخارجية لأحد الفنادق في سيرلانكا، حيث قدم إليه أحد الاطفال المشردين لا يتجاوز عمره الثانية عشرة، وعرض عليه أن يصطحبه في نزهة لتسلق جبل شاهين مقابل المال، وافق سعود، وذهب في رحلة تسلق استغرقت خمس ساعات.

وفي طريق عودته، صادف رجل وزوجته يرفعان العلم الإسرائيلي، ويلتقطان الصور، استفزه المشهد وبقي يراقبهما من بعيد، ويستمع لأحاديثهما مع الناس، وكانا يتحدثان عن دولة الاحتلال، وسط إطراء الحاضرين من مختلف الجنسيات.

هدف سعود من ترحاله إلى التحرر من القيود والضغوطات المجتمعية، والانخراط في ثقافات جديدة، والتعرف على دول وبلدان أخرى، كذلك ممارسة هوايته في تسلق الجبال، ورغم حصوله على شهادة جامعية في المحاسبة، غير أنه آثر أن يؤسس مكتب إعلامي يعمل فيه على إنتاج الأفلام الوثائقية القصيرة في الرياض، يستطيع من خلاله جمع الأموال الكافية التي تمكنه من السفر.

ولكن هذا الهدف بدأ يأخذ منحى آخر بعد حادثة العلم، وقرر أن يكون الحديث عن القضية الفلسطينية وما يجري في مدينة القدس المحتلة في جولاته هو الهدف الأول، وتعريف غير العرب بما يتعرض له الفلسطينيون، ووجد أن الباب الأفضل للدخول هو نبذ العنصرية.

قال سعود إنه حاول من خلال ذلك الخروج عن المألوف، والطريقة النمطية في مساندة فلسطين، ودحض المزاعم الإسرائيلية بحقهم في فلسطين، وتنبيه العالم بما يجري في القدس من عنصرية واعتداءات، لذا تسلح بما يكفي من معلومات حول القضية الفلسطينية، وتاريخ القدس، وانطلق يحكي ألم فلسطين للعالم.

بدأ سعود ترحاله عام 2009، وكانت أولى محطاته سيرلانكا، ومنها إلى دول أوروبية أخرى، مثل: رومانيا، وألبانيا، والتشيك، وثم إلى دول أسيوية، أبرزها: فيتنام، ويعتبر "الرحالة هم مفتاح الشعوب والقادرين على تغيير أفكارهم من خلال الدور الذي يقومون به".

ويحكي سعود عن فلسطين في ترحاله من خلال ثلاثة مراحل، الأولى: تبدأ عندما يصل وجهته، فيبدأ بالتعرف على الرحالة الراغبين بمشاركته في التسلق، كذلك ينخرط في الحديث مع أوسع عدد من الناس، سواء كان ذلك في الفنادق، أم الأماكن العامة، وغيرها، ويتحدث إليهم عن هدف ترحاله، وهو "نبذ العنصرية"، ومنها يعرج على ما يتعرض له الفلسطينيون نتيجة الاحتلال الإسرائيلي، ويعرض ما بحوزته من صور، وفيديو، وحقائق يحتفظ بها في حاسوبه حول القضية الفلسطينية.

والمرحلة الثانية تكون خلال تسلقه الجبل، وهي المرحلة الأهم بالنسبة له، حيث تعتلي كتفيه الكوفية الفلسطينية، ويحمل العلم الفلسطيني كشعار له، وما أن يباشر تسلقه حتى تنهال عليه الأسئلة من قبل الرحالة وكل من صادفه في طريقه حول شعاره، وتبدأ رحلة أخرى من الحديث عن فلسطين.

المرحلة الثالثة، تكون بعد إنهاء مرحلة التسلق، حيث يبدأ بتنظيم زيارات لمن تعرف عليهم خلال مرحلة التسلق "أثناء تسلق الجبل أقترب من الأشخاص المشاركين، وأطلب منهم الاستماع لي مدة خمسة دقائق، وأبدأ الحديث عن فلسطين، يشدهم كلامي فيبادرون بدعوتي على فنجان قهوة في مكاتبهم، وبهذا اعتبر أنني وصلت إلى مبتغاي، وكسبت متضامن جديد مع فلسطين" يقول سعود.

التقى العيدي بالكثير من الأكاديميين، والمثقفين، والسياسيين الأجانب، ممن يحملون أفكارا مغلوطة عن فلسطين، واستطاع بعد جهد إقناعهم بعدالة هذه القضية، وربط سلامها وأمنها بالسلام العالمي.

في أوقات فراغه يتعمد سعود الجلوس في بهو الفندق، مرتديا الكوفية الفلسطينية التي قلما تغادر كتفيه، حتى يبدأ الناس بالتجمع، فتصبح الجلسة أشبه "بندوة صغيرة"، يستعرض فيها اعتداءات الاحتلال وعنصريته في القدس، وتهويده للمقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء، والاعتداء على الأطفال، والنساء، والتضييق عليهم.

في البداية اعترى سعود الخوف، بألا يجد تفاعلا، كونه غير فلسطيني، لكنه اكتشف أنها ميزة، أوجدت لدى العديد من الأشخاص فضولا ليعرفوا عن فلسطين، يقول سعود: "يتعجبون من كوني سعودي وأتحدث عن فلسطين، فهم يعتقدون أن الفلسطيني الذي يعيش المأساة هو من يجب أن يقوم بهذا الدور وحده، ولكنني أرد عليهم "بأن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم، بل يجب علينا جميعا الوقوف أمام مسؤوليتنا".

ويعمل سعود مع أغلب الجمعيات المؤسسات الداعمة القضية الفلسطينية، سواء داخل فلسطين، أو خارجها، ولكنه يعتبر في الوقت ذاته أن انضمامه لأي جهة قد يتسبب له بخسارة المتضامين، لذا فهو يفضل العمل وحده.

بعد كل رحلة يعود سعود إلى منزله في مدينة الخُبر شرق المملكة العربية السعودية، يصله على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الكثير من الصور والفيديو من أصدقاء التقاهم في ترحاله، تبنوا ما طرحه، تحمل هذه الصور في طياتها فعاليات داعمة لفلسطين.

يقول سعود: "اعتبر هذا التفاعل حصاد ما زرعت فيهم، ولكنني في بداية الطريق، وما زلت احتاج للكثير من الجهد، ولن أفقد الأمل".