ليس بوسع غزة أن تحيي ذكرى النكبة الـ 68 وهي غارقة في دمها وتلملم أشلائها، كما ليس بوسعها إسقاط الإنقسام أو حتى إضعافه فهو أنهكها، وإنشغال الناس في حريق حاضرهم المنتحر حتى موت لم نعهده في شعب الحرية ويسعى لها، وأخذ على عاتقه استبدال مستقبله الواعد بالحرية والإستقلال بمشكلاته المعيشية، وتدشين فصول مأساوية لمعركة جديدة من نكبتهم الإنقسامية.
جريمة أطفال مخيم الشاطئ أحيت النكبة الفلسطينية الجديدة واثارت فينا مزيد من الحزن والغضب وبينت الوجه الحقيقي وفجور الخصومة وقبح الإنق سام والجدل والسجال الصبياني بين المنقسمين ما هو إلا دليل إضافي على إصطفاف المنقسمين في كفة للدفاع عن روايتهم والتنكر لمسؤوليتهم والناس في كفة، وكأن غزة وأهلها مجموعة من الخارجين عن القانون يعيشوا في سجن كبير وكلاب تحرسه وجنود.
منذ عامين وقع الفلسطينيين في شرك إتفاق الشاطئ ولم يستطيعوا إستعادة الوحدة الوطنية، والتخلص من حقبة سوداء في تاريخهم ومن تبعية الإنقسام، وغياب الديمقراطية وقيم العدل والمساواة وحقوق الإنسان أصبحت بعيدة عن منظومة المنقسمين القيمية، وبدل من أن ترفع شعارات وقيم الحرية والكرامة، وتؤسس لمرحلة جديدة إنعكست على الفلسطينيين بحياة من نار داخلية تأكلهم.
في الذكرى الـ 68 للنكبة لا تزال تطغى عناوين الولاء للزعيم والدفاع عن الحزب والرؤية الضيقة والتوريط، وغزة تواجه خيارات متعددة من بؤس الحياة وقسوتها وكل طرف يحاول إغتنام الفرصة للنيل من الآخر، وبدلا من النيل من الإحتلال ومقاومته، ننال من أنفسنا ونورط بعضنا بعضاً في الهروب من المسؤولية.
الشطب والاجتثاث والتوريط للآخر هو السائد ولا أحد يستطيع المزايدة على الآخر في ذلك، وفي زمن التوريط يسقط الضحايا من الفقراء والمعدمين، ونحاول إعلان البراءة منهم.
في الذكرى الــ 68 للنكبة يعزز الإنقسام من دون الإستفادة من تلك التجربة المقيتة وإستغلال القيم والأدوات النبيلة للتقدم من اجل استعادة الوحدة الوطنية، ومبدأ الشراكة الوطنية والسياسية الحقيقية، ويتوجب على الفلسطينيين دفع أثمان يجب دفعها فوراً، وعدم إنكارها، والتحرر من الرؤى السياسية والأجندات الخاصة، وإنكارها يضاعف المصيبة التي استمرت سنوات دفعت القضية والشعب الفلسطيني ثمنا غاليا لها.
الإعتذار عن النكبة والويلات المؤلمة والهزائم الداخلية التي سببها الإنقسام، وإستخلاص العبر والإعتراف بالأخطاء والخطايا، والإستبداد الداخلي من إعتقالات وتعذيب وإجتثاث من الجذور، والإستقواء بالقوة المفرطة الذي مارسوها على أنفسهم، الخطوة الأولى في تلقي العلاج للإستشفاء من الإنقسام، واستخلاص العبر عن ما سببه الانقسام وسنواته العجاف، وما صل إليه لفلسطينيين من حال مقيتة، والأوضاع المأساوية والحصار الشامل والظالم والعدوان المستمر، وتفكك اجتماعي وأخلاقي وقيمي.
إننا بحاجة ماسة للإدراك أننا شعب تحت الإحتلال، ويجب مواجهة ومقاومة الإحتلال موحدين من خلال برنامج سياسي ووطني، وعدم تجزئة القضايا، والاعتراف بوهم وجود سلطة تحت الإحتلال
الفلسطينيون مطالبون بتقديم كشف حساب لأنفسهم، وفي مقدمتهم الفصائل الفلسطينية والمطلوب منها إعادة النظر بجدية في تجربتها النضالية، ووسائلها وأدواتها وطريقة تعاطيها مع القضايا الوطنية، وقضايا الناس، وتجربتها المستنسخة خلال السنوات الماضية، وعليها التخلص من هزائمها الداخلية وشعورها بالعجز والضعف، وعدم قدرتها على مواجهة الاحتلال ومشاكل الناس.
الفصائل الفلسطينية تكلست وشاخت وقياداتها، ولم يتم تداول القيادة بطريقة شفافة في غياب الديمقراطية الحقيقية في مؤسساتها، وهناك قيادات عمرها من عمر تأسيسها، ومن غير المعقول أن تبقى تلك القيادات للابد، ولم تعطى الفرصة للشباب الذين سبقوا قياداتهم في التفكير والمبادرة والفعل.
من مقومات النجاح هو الإستمرار في بث روح التفاؤل والتسامح وقبول الآخر من أجل الشعور بالتغيير، واتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية وإجتماعية تعزز من صمود الناس وإنتمائهم للوطن والقضية، وإشاعة أجواء الديمقراطية، والتعددية والحرية وصيانة كرامة الناس.