كبر الحصار المفروض على أهل غزة ، لقد تجاوز عامه العاشر، أخذ له نصيبًا جيدًا بين الشباب والشيوخ وطال مكانًا لا بأس به مع جلسات النساء وفي تجمعات الأطفال لرؤية الضوء وهو يتسرب من فوهة علبة كان يمكن أن يرمونها لو كانوا في غير بقعة لا يعرف أبنائها كيف يمكن أن تتحول أبسط الأشياء إلى حلول عظيمة، في القرن الحادي والعشرين، هنا غزة!
استفاق قطاع غزة صباح اليوم على فاجعة وفاة ثلاثة أطفال أشقاء بمخيم الشاطئ جراء احتراق شمعة، الحادثة التي يمكن وصفها بالنتيجة الحتمية للانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي عن القطاع، جريمة أخرى لا تقل عن جرائم الاحتلال والانقسام الفلسطيني والتخاذل العربي في آن واحد، دفع ثمنها أطفال كان ينتظر كل منهم أن يرى الضوء، حتى سرقهم واحدًا تلو الآخر.
لقد عاشت فلسطين هذه الفاجعة في وقت قريب، تعددت أقنعة الجاني واختلفت أعمار المجني عليهم، فمنهم من كان صغيرًا أكثر مما يجب ليهرب بعيدًا، وآخرون كانوا في سنوات طفولتهم الأولى، نسوا أسماء شوارع مدينتهم ليتبدل سؤالهم ليل نهار: لماذا لا تحبنا الأشياء من حولنا؟
أن يحرق الأطفال ليلًا ليصبحوا جثثًا لا تتحرك في الصباح، ولا يعلم حقًا من الذي خطط لذلك، أو من نسأل عن المجرم الحقيقي الذي يجب أن يحاكم الآن؟
لقد تعددت أصابع الاتهام، واختلفت اتجاهاتها وهي تشير على مرتكب تلك الجرائم، لم يكن واحدًا فقط، مما دفع الشعب ليطلق ألسنة اللهب من شفتيه، فلم يترك حزبًا ولا رئيسًا ولا احتلالًا ولا أشقاءً عرب إلا وأصابهم بكلمات أقل ما يمكن وصفها بأنها: الحقيقة المرة!
الحقيقة التي ذكرت أهل غزة بمأساتهم، والتي كانت مفتاحًا جيدًا ليعاد فتح سوق الاتهامات بين الفصائل الفلسطينية التي استقبلت ذلك جيدًا، وكانت ردة الفعل أسرع من صنع فعلًا يذكر.
سقطت الحادثة كما لو أنها جرس إنذار ارتفع صوته فجأة، في ظل استمرار الانتفاضة الفلسطينية الثالثة في القدس، الاعتقالات الليلة والمداهمات في الضفة، والتصعيد على غزة من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي مؤخرًا.
أتت كما لو أنها تعلن للفصائل كلها أن هذا الشعب ما عاد بمقدوره أن يستقبل المزيد من روائح الموت، عويل النساء، وسؤال الأطفال الذي لا يكفون عن طرحه: لما لا تحبنا الأشياء من حولنا؟
الأطفال الثلاثة من عائلة أبو هندي في مخيم الشاطئ غرب غزة، لقوا حتفهم جراء حرق منزلهم في حادثة تحمل بين طياتها رسالة واحدة، وهي أن الشعب في غزة بات يموت من الحلول المتوفرة في حصار منع عنهم أبسط مقومات الحياة، فما بالك إن انعدمت أيضًا!
*الصورة بعدسة المصور الصحفي مؤمن فايز قريقع